ثمة راديكالية جديدة تعتبر نتاجاً طبيعياً لشروط العصر وإفرازاته، وإن أوحى العنوان بتناقض يحسب أنه بيِّن. حين تتسع رقعة الصمت لدى النخب في أي مجتمع من المجتمعات، وفي ظل أخطاء وتجاوزات متراكمة، لا شيء يشي خلاف رضاها أو مباركتها لتلك الأخطاء والتجاوزات. أقول: صمت النخب، بغض النظر عن طبيعة النظام الذي يؤسس ويراكم تلك الأخطاء والتجاوزات، جمهورياً كان أو «جمهوعسكرياً» أو ملكياً. مثل ذلك الصمت أسس ويؤسس لراديكالية جديدة مسكوت عنها، أو مواراة تحت أكثر من مسمى، أحياناً باسم «الأغلبية الصامتة»؛ بل هي «راديكالية الصمت» بما يجره ذلك الصمت من اتساع رقعة الأخطاء وشرعنة التجاوزات، وإضفاء صفة المسار الطبيعي لحركيتها وامتدادها.
فحص خريطة النخب العربية لا يشي بدور فاعل لها يمكن تسجيله في ظل تخبط بعض نماذج تلك النظم، ولا يشي - على الأقل ضمن قطاع عريض – باستعدادها لخسران وفقدان ما حققته على حساب الوقوف ضد الأخطاء وصد وسد منافذ التجاوزات، بما توافر لها من أدوات وإمكانات.
مثل راديكالية الصمت تلك، تؤسس لتعميق الفجوة بينها وبين جماهير اكتسبت راديكاليتها من راديكالية النظم تلك؛ ما جعلها تفقد نظام توجهها وطرق تغييرها وأدوات احتجاجها في صور فوضى وتخريب أحياناً وخطابات لا ناظم حقيقياً وعميقاً في محتواها، وهي خطابات وإن امتلكت الناظم تظل فرص قدرتها على التغيير والتفعيل ضئيلة في ظل عسكرة الحياة وتكييف الدساتير لمصلحة النظم التي تسوس تلك الجماهير.
هيمنة راديكالية الاحتفاظ بالمكاسب، وما تحقق لتلك النخب ليس هو الوحيد الذي يدفعها إلى راديكالية الصمت، الأهم في الأمر أن شريحة كبيرة من تلك النخب – وإن لم تعلن ذلك – تظل موقنة باستمرارية النظم تلك على رغم سوئها وأخطائها وتجاوزاتها، بحيث تحوَّل ذلك اليقين إلى عقيدة لا تحتاج إلى كتاب يؤطر ويأصل ويقعِّد لها. إنها عقيدة أولها استمرار وتعاقب تلك النظم في أشكال ومسميات شتى يأكل بعضها بعضاً، واستمرار ما يشبه اليأس لدى تلك الجماهير، وهو يأس يذهب هو الآخر في راديكالية من نوع آخر.
ولكن هل نعوِّل كثيراً على استمرار راديكالية ذلك الصمت؟ أو هل ثمة استمرار أساساً لمثل تلك الراديكالية؟ أشك في ذلك.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2813 - الأربعاء 19 مايو 2010م الموافق 05 جمادى الآخرة 1431هـ
راديكاليةُ الصمت!
هيمنة راديكالية الاحتفاظ بالمكاسب، وما تحقق لتلك النخب ليس هو الوحيد الذي يدفعها إلى راديكالية الصمت، الأهم في الأمر أن شريحة كبيرة من تلك النخب – وإن لم تعلن ذلك – تظل موقنة باستمرارية النظم تلك على رغم سوئها وأخطائها وتجاوزاتها؟
وأنا..!
أنا كذلك أشكُ في ذلك.. ولكن متى يأتي اليوم الذي يكسرُ فيه حاجز زاديكالية الصمت؟...