العدد 2812 - الثلثاء 18 مايو 2010م الموافق 04 جمادى الآخرة 1431هـ

حكاية تهميش المنامة...!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

آثرت ألا أكتب عن المنامة، همومها وآلامها وتطلعاتها، خشية اتهامي بالتحيز لمعاناتها، وهي تهمة لا أنفيها على أية حال رغم أني لست من هواة منطق المناطقية.

ثمة حقيقة عاطفية لا يمكن إخفاؤها، وهي أن أهالي المنامة مسكونون بحبها، وعلاقتهم بها كدأب العاشق والمعشوق، وهي علاقة الروح الى الروح، حتى لو أجبرت الظروف الكثير من أبنائها قصراً على تركها لكنهم يحنون اليها ولا يبارحونها كلما سنحت ساعة اشتياق.

لا يعرف المرء من أين يبدأ في الحديث عن المنامة... حائر والحيرة في محلها... ماذا نستذكر في المنامة؟... تاريخها، أم أزقتها وفرجانها وزرانيقها، أم مساجدها ومآتمها، كنائسها، معابدها، أم سواحلها، الأحرى أن نستذكر كل شيء فيها، لأن كل شيء فيها يبعث على الحنين، ذاكرة وذكريات.

حين يأتي الحديث عن المنامة من الصعوبة بمكانٍ أن يكون الحديث خالياً من فيض العواطف والاعتزاز، ففي المنامة، ثمة إحساس مشدود للتاريخ، وإرادة قوية باستنهاض شريط حافل من ذكريات الماضي الجميل، لأن المنامة تعني الأرض والإنسان، وعلاقتهما بتكوين ذاكرة هذا الوطن وتطلعاته.

ولكن ما يبعث على الأسى أن ثمة مأساة كبيرة قد حلت على المنامة وأرغمت هذه المدينة الباسمة، الوادعة على الانحناء القسري. وثمة إهمال رسمي يكاد يكون متعمداً، وتجاهل الدولة للمنامة قد حولها لمستوطنة غريبة بدلاً من أن تحافظ على سنامها التاريخي والريادي في نهضة البحرين.

المنامة التي كانت على الدوام موئل التسامح الديني والمذهبي والثقافي، ورمز التعايش البحريني الجميل بين مختلف مكونات الوطن وفسيفساء البحرين المتآلفة، تكاد اليوم تفقد بريقها، بسبب هذا الاهمال والصدود الحكومي المستمر للمنامة، وهو تنكرٌ فاضحٌ لتاريخها ولعطاء أبنائها المحفور في الوجدان في منطقة أمدت الوطن خيرة أبنائها، علماء ووزراء وسفراء ووجهاء وشخصيات وأدباء.

اليوم تفيق المنامة على واقعٍ صعب وقاسٍ ومؤلم، لأن الدولة قد أدارت ظهرها للمنامة، وهذا السبات العميق دام طويلاً ولا يزال، والمأساة فصولها مستمرة وربما يراد لها أن تستمر أيضاً. فمن يمر على قلب المنامة القديمة الآن لا يخالها سوى منطقة آيلة للسقوط، تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب هروب الدولة من مسئولياتها، وتقاعس كل الجهات الرسمية عن القيام بدورها.

فلنقارب المأساة قليلاً: لا موازنة حكومية لإعمار المنامة، ولا خطة لتطوير بنيتها التحتية المتهالكة لتتناسب مع كون المنامة عاصمة المملكة، لا مرافق ولا خدمات، لا حديقة ولا متنزه للأطفال، ولا ملاعب للفتية والشباب، لا مشروعات جديدة، لا دار للمسنين، ولا مراكز للشباب، ولا ميادين وساحات مفتوحة، ولا مواقف للسيارات، ولا شبكة صرف صحي مستحدثة، بل حتى شوارع المنامة مظلمة، لأن مصابيح الانارة أضحت مطلباً عصياً على المنامةّ!

ولم تشهد المنامة في تاريخها مشروعاً إسكانياًً، والنتيجة أن آلاف الطلبات الإسكانية لأهالي المنطقة لا تزال حبيسة أدراج المسئولين، أليس في ذلك تمييز صارخ وفشل ذريع في تحقيق التوزيع العادل في الخدمات وتكافؤ الفرص بين جميع المناطق؟ ولا شارع في المنامة قد تغير حاله منذ أكثر من 20 عاماً، فشوارع المنطقة لا تختلف كثيراً عن أي بلد من بلاد المجاعة، أو أية حارة من الحارات البائسة.

لقد جاء التوسع العقاري العشوائي بصورة وحشية ليسرق من المنامة ساحلها الجميل لصالح أبراج شاهقة من الطوب لكنها تطمس تحت أنقاضها تراثاً وحضارة وتاريخاً زاهراً.وبسبب هذا التوسع العقاري غير المنظم خسرت المنطقة من جهتين، فقدت المنامة واجهتها البحرية الدافئة ومواقع الحزام الأخضر لصالح أصحاب الجيوب المنتفخة.

لماذا تجاهلت الدولة معاناة المنامة على مدى 30 عاماً وحاجتها التنموية والاجتماعية؟ والسؤال يتبادر اليوم لكل وزارات ومؤسسات الحكومة من دون استثناء:

ما هي مشروعات وزارة الاسكان لحل الأزمة الاسكانية المتراكمة في العاصمة؟

وما هي مشروعات وزارة شئون البلديات؟

وما هي برامج محافظة العاصمة وبلدية المنامة ومجلسها البلدي؟

وما هي مشروعات وزارة الصحة؟

وما هي مشروعات وزارة الأشغال؟

وماهي مشروعات هيئة الكهرباء والماء؟

وما هي مشروعات وزارة التنمية الاجتماعية؟

وما هي مشروعات المؤسسة العامة للشباب والرياضة؟!

هل يعقل أن جميع تلك الوزارات والمؤسسات ليس لديها ما تقدمه لإنقاذ المنامة؟

ولماذا يكون التذرع بالموازنة فقط عندما يأتي الحديث عن المنامة؟

أليس للمنامة وأهاليها حق من الموازنات والخطط والبرامج والثروات؟

وهذا يدفع إلى التساؤل إن كان هناك إصرار لدى البعض على إفراغ المنامة من أهلها وتحويلها الى ضاحية أشباح مهجورة.

كم كنا نتمنى لو تأخذ المنامة حيزاً من كرم الدولة وتعاطفها مع كوارث الآخرين، فالبحرين قدمت عشرات المبادرات السخية لإنقاذ شعوب العالم من الزلازل والأعاصير والبراكين وشتى أنواع الكوارث وهو سلوك إنساني محمود، فخلال عام فقط تبرعت الحكومة بخمسة ملايين دولار لإغاثة ضحايا إعصار كاترينا ومليون دولار لدعم أعمال الإغاثة في هايتي، ونصف مليون دولار لصالح ضحايا العواصف في الفلبين، ولكن كارثة بحجم فقدان العاصمة لهويتها الاجتماعية والعمرانية والثقافية مسألة فيها نظر!

ومن وجوه الطرافة والغرابة أن البحرين تقدم مبادرات التنمية الحضرية في جنوب القارة الأميركية مروراً بوسط القارة السمراء ، وهي مبادرات وجوائز عالمية أحوج ما تكون المنامة لها.والأهداف المعلنة للجوائز (البحرينية العالمية): مساعدة المجتمعات الفقيرة على التحديث الاقتصادي، وتخفيف حدة الفقر، وتنمية الكوادر البشرية، وخلق بيئة تنموية مستدامة، وتوفير الوظائف، وتحقيق تنمية حضرية مستدامة، ولكن أين جميع تلك المبادرات عن إنقاذ المنامة .

نواب المنامة أطلقوا مقترحاً لإعادة الهوية السكنية للمنامة وضواحيها، واقره مجلس النواب وكذلك الحكومة تحت مسمى «مشروع التنمية الحضرية»، ولكن رغم مرور قرابة عام على إقراره، فإن الحكومة لم تحول فلساً واحداً لتنفيذ هذا المشروع، والكل في سبات عميق.

لن ننعى المنامة، ولكنها عريضة مفتوحة ليس إلا، لمن يعنيهم الأمر في مواقع القرار، ما أردت قوله إن المنامة بحاجة إلى يقظة ضمير سريعة... المنامة بحاجة الى صحوة الدولة تجاه معاناتها، هي بحاجة الى خطة انقاذ عاجلة لإعادة روحها المخطوفة!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2812 - الثلثاء 18 مايو 2010م الموافق 04 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:24 م

      الحذر واجب ... العاصمة محطة انظار الجميع و تساؤل السواح عنها

      تابع : وتخيلت المنامة بزهو حلتها من تشجير وتزهير ورصف شوارعها بتصميم رائع وانها بنيت بطريقة هندسية رائعة وتصاميم غريبة تلفت انظار السواح والجميع من المواطنين
      بل تخيلتها روضة من رياض الجنة اليست هي العاصمة يجب ان تميز وتلبس حلة مميزة تضفي على البحرين جمالا وجاذبية حتى يعطى حقها كعاصمة للملكة ولكن سرعان ما افقت من حلمي الجميل على ازقة ضيقة وبيوت آيلة للسقوط وكأنها خربة مهجورة . وحقا المنامة مُهْمَلة كل الاهمال
      وكل حائط فيها يصرخ بالاستغاثة فهل من منقذ نتمنى الصحوة من الجهات المعنية

    • زائر 2 | 6:11 م

      الحذر واجب ... اخي حيدر محمد نتمنى ان يصل صوتك للجهات المعنية حقا هذه هي المنامة التي بات حالها يؤرق الجميع

      منذ فترة بسيطة وانا امر على المنامة اصبحت اتأمل باستغراب وانا اقول هل هذه هي عاصمة البحرين ؟ هل هذه المنطقة هي المرتبط اسم البحرين بها ؟ اليست المنامة هي العاصمة ؟ ما دور الدولة تجاه العاصمة الاهمال والتنحي عنها ؟ !!! للأسف خيّل لي ان المنامة تقبع في زنزانة
      وقد طال سجنها ونسيت بين قطبان السجون حتى
      تهدمت جدرانها ودرست بيوتها كنت افكر لحظتها وانا بالسيارة واتخيل بأنه تم اصدار قرار بأن تهدم جميع بيوت المنامة ومحلاتها ويعاد تعميرها واحياؤها من جديد .

    • زائر 1 | 12:30 ص

      الشكر لحيدر

      ابني حيدر لقد جعلتني اشم من خلال هذا المقال عبق المنامة القديمة ورائحة امي وابي
      اشكرك على هذا المقال وارجو ان يكون البداية الحقيقية لك كصحفي يحمل هموم وطنه لينقلها لكل من يهمه الامر بكل شجاعة
      ابني حيدر هذا المقال افضل ما كتبت حتى الان

      احمد سلطان
      ابو سلطان

اقرأ ايضاً