يكاد العرب يتفقون على أن الصهاينة هم ألدّ أعدائهم، وبطبيعة الحال فالأميركان يأخذون الحكم نفسه باعتبارهم لا يختلفون عن الصهاينة في وقوفهم ضد العرب وبشكل سافر وفج.
لكن هؤلاء العرب -جميعا- يختلفون في حرصهم على قضاياهم والبذل من أجل تحقيقها كثيرا عن الصهاينة؛ فهم يكتفون بالكلام الذي لا قيمة له، وبعضهم يعمل مع الصهاينة سرا أو علانية، وبعض حكوماتهم تمارس الدور نفسه، ويبدو أنها تستمتع بخدمة أعدائها لأن هؤلاء الأعداء يحققون لها البقاء والاستمرار على رغم كل أعمالها السيئة.
هذه المفارقة بين من يُفترض أنهم أعداء هي التي جعلت الصهاينة يتغلبون على العرب في حالات كثيرة على رغم الإمكانات الهائلة عند العرب وقلتها عند الصهاينة؛ ومعروف -على مدى التاريخ- أن الذي يعمل يتفوق على الذي لا يعمل، فكيف إذا كان هذا الذي لا يعمل يضع يده في يد أعدائه بين آونة وأخرى.
الصهاينة يقاتلون بشراسة من أجل قضاياهم وفي كل أنحاء العالم، ويتابعون كل من يفعل شيئا ضدهم ويفعلون كل شيء من أجل معاقبته، أما العرب -وهنا أعني الحكام- فهم يصمتون وكأن كل ما يفعله الصهاينة وأعوانهم ضدهم لا يعني لهم شيئا.
صحيفة «يديعوت إحرونوت» الإسرائيلية ذكرت أن الخارجية البريطانية أقالت دبلوماسيا بتهمة معاداته للسامية والإساءة إلى اليهود، وتهمة هذا الدبلوماسي أنه انتقد «إسرائيل» بشدة خلال حربها على غزة، وربما يُسجن هذا الدبلوماسي -بحسب الشرطة البريطانية- سبع سنوات! ماذا فعل العرب لهذا الدبلوماسي؟ من وقف معه ولو بكلمة واحدة؟!
الأرجنتين طردت أسقفا بريطانيا لأنه أنكر المحرقة اليهودية، وقالت إن قوله صدم المجتمع الأرجنتيني والشعب اليهودي والبشرية!
القوى الصهيونية لاحقت منتقديها في أميركا -البلد الذي ينفق عليها بسخاء- فالسيد تشارلز فريمان سحب ترشيحه من منصب رئيس المجلس الوطني للاستخبارات الأميركية بسبب ما نُسب إليه من مواقف متشددة من «إسرائيل» وعلاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية والصين.
تشارلز فريمان أكد أن اللوبي الصهيوني وراء هذه الاستقالة لأنه كان يعترض على تدخلهم في القرارات السياسية في أميركا المتعلقة بالشرق الأوسط... إدارة أوباما كانت ضعيفة تجاه اللوبي الصهيوني، فمع أنها هي التي اختارت هذا الرجل إلا أنها لم تستطع حماية قرارها وضحت بمن اختارته من أجل الصهاينة ورغباتهم.
كنت أتمنى أن يكون للعرب مواقف مشابهة مع من يقف ضد مصالحهم، وكنت أتمنى أنهم شكروا كل أولئك الذين دافعوا عن قضاياهم، لكنهم لم يفعلوا شيئا وكأن الأمر لا يعنيهم! من سيقف معهم بعد كل ذلك التجاهل الذي لا يكاد ينتهي؟ أين المشروع العربي لحماية العرب ومصالحهم؟
وبضغوط صهيونية يعقد الأوروبيون مؤتمرا في لندن هدفه بحث مكافحة تهريب السلاح إلى غزة! وكأن غزة قوة عظمى أمام «إسرائيل»، بل وكأن غزة ليست محاصرة من العرب أولا ومن الصهاينة ثانيا!
وعلى رغم كل المآسي التي حدثت في غزة، وعلى رغم كل التجاوزات التي فعلها الصهاينة إلا أننا لم نسمع عن مؤتمر عربي لمقاومة الصهاينة ولمساعدة الفلسطينيين! بل إن حصار غزة مازال مستمرا والعرب يساهمون فيه بكل قوة وكفاءة!
المغرب تقطع علاقتها مع إيران بسبب تدخل إيران في شئونها الداخلية... للمغرب أن تفعل ذلك -إن كان كلامها صحيحا!- لكن لماذا لم تقطع المغرب علاقتها مع الصهاينة بسبب جرائمهم في غزة؟ ألا تستحق كل تلك الجرائم قطع تلك العلاقة التي لا يستفيد منها إلا الصهاينة؟! وما ينطبق على المغرب ينطبق على كل بلد عربي يقيم علاقة مع الصهاينة.
هذه المواقف المخزية هل تترك للعرب من يحترمهم؟ هل يمكن أن يقف معهم أحد وهم لا يقفون مع أنفسهم؟
الصهاينة مازالوا يعملون على تفريغ القدس من هويتها الإسلامية والعربية؛ دمروا المنازل، وهجّروا أهلها، ومازالوا مستمرين في مشروعهم... يحدث كل ذلك والعرب صامتون!
بل إن المسجد الأقصى مهدد بالسقوط، والحديث عما يفعله الصهاينة لهدمه كثير ومعروف، ومع مكانة هذا المسجد في نفوس المسلمين جميعا والعرب في مقدمتهم إلا أنهم مازالوا يرددون كلاما لا قيمة له لم يوقف الصهاينة عن جرائمهم... فإذا كان هذا الرمز المقدس لم يستطع أن يحرك العرب فمن يستطيع أن يحركهم إذن؟
أين شيخ الأزهر ومؤسسته الإسلامية؟ أين رئيس رابطة العالم الإسلامي ورابطته؟ أين منظمة المؤتمر الإسلامي؟ لماذا لا تدعو هذه المؤسسات إلى موقف صارم من الصهاينة؟ لماذا لا تضغط على الحكومات العربية والإسلامية لقطع علاقاتها مع الصهاينة -من جهة- ووضع برنامج عملي لحماية الأمة من خطرهم، وإعادة الحقوق إلى أصحابها؟
الصمت العربي لا يمكن أن يُفسَّر بحسن نية... والصمت العربي لن يجرّ إلا الكوارث للأمة ولكل فرد فيها. يقولون: إن الكوارث تجمع الناس، فهل يتوقع العرب كوارث أكثر من كل ما رأوه حتى يجتمعوا؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ