العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ

نحن والكويت الشقيقة

«وطن الغرباء»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع اقتراب نهاية عقد السبعينات، وفي حدود العام 1977، نظم مهرجان مسرحي شاركت فيه عدد من الأندية الأهلية على مسرح الجفير، كل نادٍ يقدم عرضه على ليلتين، وكان الاقبال الجماهيري كبيراً على تلك العروض «الأهلية» التي تتناول الهموم الاجتماعية العامة بنبرةٍ خفيضةٍ من الاحتجاج. وكانت الآمال كبيرة جداً في تكرار التجربة كل عامٍ أو عامين، ولكن كان «مقص الرقيب» بالمرصاد، فكان ان كتب على الوليد الذي ولد ناضجاً ذلك العام، أن يموت في عامه الأول.

وفي الفترة نفسها تقريباً، في العام 1978، نظّم مجلس الطلبة بكلية الخليج الصناعية (جامعة البحرين حالياً) معرضاً فنياً، تضمّن لوحات فنية وأعمال خط ونحت، غصّت بها أكبر قاعة رياضية بالكلية آنذاك. وكان تفاعل الطلاب والطالبات عالياً جداً، وكانت الآمال عريضة باستمرار هذه الفعاليات مع انتخاب مجلس الطلبة الجديد الذي شهد تنافساً حامياً بين التيارات السياسية النشطة في الجامعة، لكن هذه الآمال تبخرت مع تصاعد الضغوط الأمنية مع دخول العام التالي، فكان أن كتب على الوليد «الفني» الآخر الذي ولد ناضجاً أيضاً أن يموت في عامه الأول أيضاً.

لو بحثتم عن السبب فستجدون «مقص الرقيب» هو نفسه المتهم بملاحقة هذه الأنشطة والفعاليات الأهلية وتقصّي الكفاءات الفنية والإجهاز عليها، كل ذلك تحت تلك العباءة السوداء الفضفاضة التي يسمونها «أمن الدولة»... وبالتالي لا يبقى للناس غير تلك النوعية من الفن «الرجراج»، الذي وقف أحدهم يدافع عن تحوّله في منتصف الثمانينات مع ركوب الكثيرين موجة الفن: «نعم، نحن مسرح تجاري»، في معرض تبريره للانسياق وراء ما سمي حينها «مسرح الطفل»، بعد أن تم إفراغ الساحة من الأصوات الجادة كلها!

هذا البلد بلدٌ مزدحمٌ بالكفاءات، غنيٌ بالطاقات، وإذا لم نبلغ مرحلة المطالبة بضرورة اكتشافها ورعايتها، فعلى الأقل لابد من المطالبة بإفساح المجال لها لتنمو وتقدم ما تختزنه من طاقات، نتاجاً فنياً طيّباً ننافس فيه الشعوب الأخرى في غير ميدان الرياضة كما هو الحاصل الآن.

ولعل هذا يجرّنا إلى مقارنة الحال بالوضع في الكويت الشقيقة: فالبحرين والكويت كانتا فرسي رهان منذ أيام الغوص. الاحصاءات والأرقام والتواريخ وحتى التراث الثقافي العريق... كلها تكاد تكون متشابهة أو متقاربة. فلماذا تقدّم مسرحهم وتأخرنا، على رغم وجود أربعة مسارح رسمية؟ ولماذا تقدّمت صحافتهم وتأخرت صحافتنا على رغم ريادتنا في هذا الميدان منذ عقود طويلة؟

وإذا كانوا يقولون ان الصحافة مرآة المجتمع، فالأمر نفسه يمكن سحبه على الميادين الثقافية الأخرى، من مسرح وفن ونحت ورسم و... كلها مرايا أخرى تعكس وجوه المجتمع الحي.

لسنا ممن يذهب إلى وجود العامل «الحتمي» الأوحد، ولكن إذا بحثتم عن السبب الأكبر في تأخّرنا عن الركب الخليجي فستجدون «أمن الدولة»، المتهم الأكبر وراء الكثير من النكبات التي مرت بهذا البلد وهذا الشعب. ومن المحزن حقاً أن يتصور بعض النواب انهم بتبنيهم «قانون التجمعات» ودعوتهم إلى تمريره انهم يحسنون صنعاً، خصوصاً بعد أن جرّبنا هذا القانون السيئ ودفعنا كلفته الباهظة سنين من القلق الاجتماعي والاضطراب السياسي والتخلف الاقتصادي، على رغم كل ما قيل ونشر من أرقام عن ريادتنا وتقدمنا واحتلالنا للمراكز الأولى في كل مجال!

البلد الذي يريد أن ينهض ويتقدم ويتجاوز عثرات الماضي، لابد أن يتجاوز مثل هذه القوانين البالية، التي تقتل روح المجتمع وتئد طاقاته وكفاءاته. أما هؤلاء المشككون المترددون، النافخون في كير الطائفية والمؤلبون للحكم على الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز حقوق الانسان... فأرجو أن يكون الزمن قد تجاوزهم إلى الأبد، فلسنا قطعاناً من الماشية، وليس الحكم اليوم مستعداً للاستماع لمثل هذه النداءات التي ثبت ضررها الفادح على جميع الأطراف، وكانت وبالاً على الوطن كله.

تذكّروا أين كانت صحافتنا ومسرحنا وفنوننا، وأين كانت صحافة وفنون الأشقاء الأقربين، فهل كتب على هذا الشعب أن يعيش مقيّداً بالقوانين المتخلفة الموروثة من زمن الاستبداد ليقبع في آخر القافلة الخليجية على الدوام، لتستمر ثيمة «وطن الغرباء»؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً