العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ

خط الفقر و«قوت من لا يموت»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المصطلحات المتداولة على ألسنة طلاب الحوزة «قوت من لا يموت»، للدلالة على شظف العيش وبؤس الحياة، وهي تعبيرٌ أدبيٌ آخر عن ما يُسمّى حديثا «خط الفقر».

تحديد «خط الفقر» سيبقى مثار جدل لدينا في البحرين، خصوصا مع انشغال وزارة التنمية الاجتماعية بمحاولة إثبات فكرة «عدم وجود فقر «مدقع» في البحرين حسب معايير الأمم المتحدة، فتتورّط بإجراء مقارنة غير صحيحة بالدول الأفريقية... بدل المقارنة بأوضاع دول الخليج الشقيقة، الأقرب للواقع والمنطق وطبيعة الأمور.

الأرقام التي قدّمتها الوزارة للبرلمان الأسبوع الماضي، بشأن اعتماد مستوى 56 دينارا للفرد كخط للفقر، أمرٌ نظريٌ وبعيدٌ عن الواقع تماما، بدليل أن أي مواطنٍ يمكنه أن يثبت ذلك بإجراء جردةٍ سريعة لمصاريفه اليومية الأساسية جدا، بعيدا عن الكماليات وشبه الكماليات.

إن «خط الفقر» سيبقى ضائعا بين حسابات الجانبين الرسمي والأهلي، فالطرف الأول يصرّ على تحديده بمستوى الـ 56 دينارا للفرد، بينما يذهب الطرف الآخر إلى حدّ تنظيم إحدى الجمعيات السياسية (أمل) العام قبل الماضي اعتصاما تحت عنوان «صرخة ألم» لإلقاء الضوء على واقع البؤس والعَوَز الاقتصادي الذي يعانيه كثيرٌ من أبناء الشرائح الدنيا بالمجتمع.

الخلاف إذا سيبقى حول تحديد خط الفقر، لذلك من المهم الرجوع إلى آراء الباحثين الاقتصاديين المحايدين للعثور على خط الفقر الضائع، ومعرفة الرقم العلمي الصحيح والمعقول.

أمامنا الآن دراستان، الأولى تعود للعام 2003 لمركز البحرين للدراسات والبحوث، وهو جهةٌ رسميةٌ وليست معارضة، حيث يفترض خط الفقر لأسرةٍ مكوّنة من 6 أفراد، بـ 337 دينارا، باحتسابه نصف الدخل المتوسط، (674 دينارا). وكما هو واضحٌ فإن كثيرا من الأسر التي لا يتجاوز دخلها 200 دينار ستكون تحت هذا الخط بكثير، وهناك من يقدّرها بـ 11 في المئة من الأسر البحرينية.

أما الدراسة الأخرى فصادرةٌ في العام التالي (2004) عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتحدّد خط الفقر بـ 5.2 دولار يوميا للفرد، (حوالي دينار و965 فلسا)، وربما يكون هو الرقم الذي اعتمدت عليه الوزارة. وكما هو واضحٌ فإن هذا المبلغ لا يكفي لتوفير حدّ الكفاف لأي مواطن، خصوصا بعد موجة الغلاء الأخيرة التي يكثر الحديث عن تراجعها دون أن يلمس المستهلك ذلك على الأرض.

الباحث الاقتصادي والنائب جاسم حسين قدّم تعريفا للفقر في مقال سابق، بقوله «إنه حالٌ من الحرمان المادي تتجلّى أهم مظاهره في انخفاض استهلاك الغذاء، وتدنّي الحال الصحية والمستوى التعليمي ووضع السكن وفقدان الضمان الاجتماعي لمواجهة حالات الفقر والإعاقة والبطالة العجز والشيخوخة». وعليه فإن المسألة تتجاوز نفي وجود فقر مدقع إلى توسع رقعة الفقر «العادي» (غير المدقع) وانتشار دائرة البؤس الاجتماعي. فأكثرية الأسر البحرينية اليوم تتعرّض موازنتها للضغط لتوفير سلة الغذاء، فضلا عن مشكلة السكن والخدمات الصحية، انتهاء بمؤشرات التعليم بعد أن ارتفع عدد الطلاب في الفصل إلى أربعين، خلال الأعوام الأخيرة، بعد أن زدنا على المليون نسمة بين ليلةٍ وضحاها!

إننا بحاجةٍ إلى تحديد «خط فقر جديد»، يأخذ في الاعتبار مستجدات الوضع الاقتصادي، من موجة الغلاء التي أضرّت كثيرا بالطبقة الوسطى والدنيا، وتهدّد بتوسعة دائرة الفقر والبؤس وما يجرّانه من اضطراب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً