لا أعلم لماذا أشفق دائماً على تلفزيون العائلة العربية أو كما يسميه آخرون تلفزيون «العائلة»... ولمن لا يعرفه فأنا أقصد تلفزيون البحرين، فكلما تجرأت وأحببت أن أرى ما يصول وما يجول به من جديد... وأحسب أنهم قد تمادوا وتطوروا... أندم على تلك اللحظة التي أعدت برمجة جهاز (الريسيفر) الخاص بي لأحاول إظهار محطة البحرين التي أتعمد إخفاءها أو محوها بسبب عدم رضاي عن مستواهم.
المتتبع للتلفزيونات وبرامج القنوات الفضائية حتى ولو كان غير مدمن مثلي، يستطيع أن يحكم على مستوى تلفزيون البحرين من أول وهلة، فوضعهم أراه مازال مزريا مقارنة بالقنوات الأخرى، فهم مازالوا يجترون البرامج القديمة من مقابلات مع (أساطير) الفن الشعبي القديم في البحرين، أو البرامج الرمضانية من نوعية «أيهما أفضل رمضان أول أو رمضان الحين؟»، وتلحقها برامج العيد التي تفخر وتزخر بمقابلات الفنانين الخليجيين والقادمين لتقديم أعمالهم المسرحية في تطبيق جزء من الصفقة للإعلان عن مسرحياتهم وسؤالهم عن الدور الذي قاموا به في مسلسل رمضان والمواقف الطريفة فيه، لنجبر على سماع سوالفهم (الفنانين) يستذكرون ذكرياتهم في التصوير وكأنهم في جلسة خاصة أو في مجلس يضم أصدقاءهم! ولا وجود لبرامج حوارية ساخنة تطرح القضايا المليئة والمتشابكة في الشارع البحريني من هواش نواب في البرلمان وأبعاده أو قضايا حساسة محرم تناولها الآن في الإعلام الرسمي من تجنيس وتمييز وطائفية وطرح مشكلات الفقر والبطالة والحقوق وغيرها من البلاوي التي نعيشها يوميا.
مازالت البرامج مسكينة... وحتى المسماة حيوية... فهي تكسر الخاطر ولا أجد لها أثرا! بل ولم أسمع في يوم أن تحدث أحد عن برنامج تم بثه على القناة يلقي الثناء والمديح أو أن يكون مصدرا لنقاش أو حوار في المجالس مثل برامج محطة «الجزيرة» أو «العربية» أو «المنار» مثلا.
إلى الآن نرى المذيع والممثل في المسلسل والمسئول في التلفزيون هو الشخص نفسه، وآخر هو المطرب والملحن والمذيع والمعد للبرنامج، وغالبيتهم يقع في دائرة مغلقة لا يستطيع أحد أن يخرجه منها، بل هو لا يريد أن يخرج، ويحب أن يظل جزءا من التركيبة في المسلسل حتى يرى المسلسل النور، أو في مقابلة سنوية وكأنها واجب مقدس مع الوجه نفسه، وهو المطرب، الملحن، الموزع، المنفذ، للأغنية، ولا جديد عنده غير غناء مقدمة مسلسل أو أغنية وطنية لمناسبة معينة ليسأله المذيع عن ظروف وملابسات ومغامرات تلك الأغنية الأسطورة! وكأن «ما في هالبلد إلا هالولد».
وفي حديثي هنا لا أتكلم عن كل الكوادر الفنية، بل الأقلية المسيطرة، فتلفزيون البحرين أصبح يقوم بمهمة تصدير الفنانين والفنانات والمذيعين والمذيعات، وأصبحوا سلعة مرغوبا بها في المحطات الفضائية الخليجية، حتى صاروا يعيدون استيرادها بأسعار غالية!
ولكن أين يقع الخلل؟... إذا كانت هناك كوادر فنية قادرة على العطاء، وهناك إدارة لا تستطيع أن تستثمر هذه الكوادر الاستثمار الامثل فهنا يكمن الخلل، وإلا ماذا نستطيع أن نسمي هذه الحال، علما بأنهم يعلمون بها علم اليقين ولكن هناك ثمة أشياء لا يستطيعون التنازل عنها.
فتلفزيون البحرين إذا أراد أن يتطور ويلحق بالمحطات الفضائية من الدرجة 320 على الأقل فيحتاج إلى وقت، وهذا الوقت مقرون بهزة أرضية تصل إلى 20 درجة من مقياس ريختر لتنتشل الغث والسمين من الإدارة، ويحتاج إلى تغيير الدماء وتغيير الفلترات وتجديدها، ويحتاج إلى تنظيف الترسبات العالقة المتراكمة على مر السنين، والتي تؤثر عليه في كل مرة يفكر مجرد التفكير في التطوير، وأما إذا ظل على هذه الحال... فسيأتي يوم يسألني ابني فواز عن وجود محطة اسمها تلفزيون البحرين وأجيبه «لا يوجد على الأرض والفضاء محطة اسمها تلفزيون البحرين»... وقد أعذر من أنذر
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 815 - الأحد 28 نوفمبر 2004م الموافق 15 شوال 1425هـ