العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ

المغرب يعيد تنظيم خريطته السياسية

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

وضع مشروع القانون المتعلق بالأحزاب السياسية المتوقع اعتماده قبل نهاية العام الجاري جميع المعنيين أمام الأمر الواقع. فإما ان ترفع هذه الفصائل من مستوياتها، واما سيكون محكوماً عليها بالزوال.

«لم يعد يكفي من الآن وصاعداً ان تكون هنالك عواطف متقاسمة ولا آراء مشتركة، تتقاطع مع تطوع آني، لتأليف حزب سياسي». هذا ما يردده في هذه المرحلة وزير الداخلية المغربي، مصطفى الساهل. هذا الأخير، عرض منذ إلقاء العاهل المغربي خطابه بمناسبة عيد العرش في 23 يوليو/ تموز الماضي وشدد فيه على ضرورة إصلاح الخريطة السياسية، تصوره الأولي على البرلمانيين. وبات بالتالي هذا المشروع محور الاهتمام الوحيد بالنسبة للأحزاب التاريخية منها، أو تلك «المفبركة» من قبل ادريس البصري، الرجل القوي في النظام المغربي أيام الملك الراحل الحسن الثاني.

من ناحية أخرى، يعتبر جميع أعضاء الحكومة الحالية، البعض منهم ممثلاً للأحزاب المعنية، بأن الإصلاح المطروح سيسمح للفضاء السياسي المغربي بإعادة تنظيم نفسه. مع ذلك، فإن زملاءهم خارج الوزارة لا يترددون في انتقاد بعض المواد الواردة في مشروع القرار. ويذهب البعض منهم للحديث عن شروط تعجيزية مفروضة. ذلك، في إشارة بصورة خاصة إلى الإعلان الذي يجب ان يتضمن توقيع ألف عضو مؤسس، موزعين وفق مقر اقامتهم على نصف مناطق المملكة على الأقل، حتى يعتبر المؤتمر التأسيسي للحزب قانونياً. وفي الملاحظات عينها، يجب حضور 1500 شخص للمؤتمر كي يحظى بالشرعية المطلوبة، ما يثبت برأي البعض أن الدولة تهدف من وراء ذلك إلى شطب الأحزاب الصغيرة والمتوسطة من الخريطة، وبالتالي، التعامل مع الكبار فقط.

تبريرات يرفضها الخبراء في مجال القانون الدستوري ممن شاركوا بوضع مشروع القرار ذي الصلة. ويشير هؤلاء إلى أن الدولة تريد عبر هذه الشروط الصارمة ليس تنقية الحقل السياسي فحسب، بل مساعدة الأحزاب على استعادة الثقة المفقودة لدى المجتمع المغربي. كذلك، وضع حد لتفكك الطبقة السياسية. وتفيد المعلوت بأن تكرار العاهل المغربي لضرورة رفع مستويات الأحزاب السياسية يستهدف في الحقيقة اجبار مخضرمي الفصائل هذه لابداء مرونة أكبر وتطبيق الأسلوب الديمقراطي داخلياً، خصوصاً بعد بروز حالات تمرد قادتها المجموعات الشبابية داخل هذه الأحزاب ما حدا ببعضها للتوجه نحو الحركات الإسلامية، سواء المعترف بها من قبل السلطات المختصة أو تلك الممنوعة من ممارسة أية نشاطات على الساحة.

على أية حال، إن مشروع القانون لن يترك، على ما يبدو، أية حظوظ للذين لن يتأقلموا مع الاستراتيجية الجديدة المحدودة في إطار «مغرب الغد». في هذا السياق، تم توجيه الكثير من الرسائل لقادة الأحزاب كي تعيد تنظيم هياكل مؤسساتها الهرمة بشكل ديمقراطي. بمعنى آخر، رفع جميع العقبات التي تعوق زيادة حصص الشباب والنساء في التمثيل الحزبي كي لا يبقى رمزاً أو ديكورا يتماشى مع الموضة السائدة حالياً بتمثيل مرأة في عداد مكتبه السياسي أو لجنته المركزية. وبالتالي، فإن أي تجميد لهذه الخطوات من شأنه أن يترك انعكاسات سلبية على وضعية هذه الأحزاب.

بعيداً عن اختبار القوة

لم تصادف الدولة المغربية، المصممة على الذهاب إلى آخر الشوط في عملية إصلاح فضائها السياسي صعوبات جدية حتى الآن. كما أن المقاربة التي اعتمدتها عبر وزارة الداخلية وليس وزارة العدل لم تثر اعتراضات كبيرة. فعلى العكس من ذلك، رحبت الأحزاب العريقة، على غرار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يتزعمه محمد اليازغي (وزير في الحكومة الحالية)، كذلك، عباس الفاسي. الأمين العام لحزب الاستقلال، بالتوجه الذي انتهجته الدولة، ذلك، في الوقت الذي ترى فيه أحزاب التحالف اليميني السابق «الوفاق» - البعض منها كان مدعوماً من وزارة الداخلية في الماضي، في حين كان البعض الآخر من ضيعة وزير الداخلية السابق، ادريس البصري -، عملية تنظيم الخريطة السياسية. بمثابة مناورة غير دستورية. لكن من دون اعطاء أية اثباتات دامغة.

في ظل هذه المعطيات، يدور الحديث اليوم في المغرب، وللمرة الأولى، حول قانون فعلي سينظم هذا المجال ويعيد ترتيب خريطته على ذلك، يعلق رئيس مجموعة «لاغزيت دوماروك» الصحافية، كمال الحلو بأنه «اذا ما عرفنا مهمة هذه الأحزاب، إلا اننا لا ندرك مع الأسف مفاهيمها وأهدافها المحددة، مضيفاً انه على رغم التعددية التي خصصها دستور 1962 والتي اعطت الأحزاب السياسية دوراً في تأطير وتمثيل المواطنين، فقد بقي مفهوم الحزب غير واضح بالنسبة لغالبية طبقات الشعب».

لهذا السبب، جاءت مجموعة من البنود في القانون لتحدد الحقوق والواجبات، كذلك الإجراءات والشروط التي وصفها البعض بالجائرة، والبعض الآخر اعتبرها ادوات «استئصالية». فبغض النظر عن الاعتراض الخجول الذي برر عن بعض الفصائل الحزبية، لاتزال الصورة بعيدة كل البعد عن احتمال حدوث عملية اختبار للفجوة بين الأحزاب الذين سيفقدون الامتيازات التي حصلت عليها في الماضي، والدولة التي تريد ان يتوافق إنشاء الأحزاب السياسية مع الضرورات الاجتماعية. وبحسب أحد مستشاري الملك محمد الخامس، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن المشروع المجتمعي الذي اضطلع به العاهل المغربي قد بات اليوم في صلب جميع المشروعات الإصلاحية، السياسية منها والاقتصادية التي وضعت على السكة. ويضيف المصدر نفسه أنه ليس لدى الدولة أدنى نية للدخول في سجالات عن مشروع القانون المتعلق بالأحزاب. كما ومن غير المتوقع ان تتحرك بانفعال للرد على الاعتراضات لأنها تريد التعامل فقط من خلال تطبيق مشروع القانون بحذافيره، كذلك البنود العائدة له، لأن في ذلك مصلحة الأحزاب والمجتمع المغربي على السواء.

ويدرك هؤلاء أنه لم يعد باستطاعتهم إلا الاتكال على أنفسهم بعد اليوم. ما سيقلب الخريطة السياسية رأساً على عقب. كما أن هذا التوجه الجديد من شأنه، من دون أدنى شك، كشف نقاط القوة ونقاط الضعف لدى جميع الأطراف. ذلك، لأنه سيتناول جميع الجوانب المتعلقة بإصلاح هذا المجال بدءاً من ضرورة امتلاك هذه الأحزاب للبرامج، مروراً باشكاليات التمويل والشفافية، وانتهاء بتحسين مستوياتها البنيوية وعلى صعيد الممارسات الحزبية.

الإجراءات والشروط

يعتبر المغاربة أن غالبية الأحزاب السياسية المغربية تنقصها الرؤية، على الأقل بالنسبة لبرامجها المتشابهة إلى حد ملفت. انها «حال مجال» أي مثل بعضها بعضاً. هذا هو رأي أحد كبار الاساتذة الجامعيين في كلية العلوم السياسية بجامعة الرباط. لذلك، يجب على هذه الأحزاب تقديم برامج معقولة. لكنها لا تفعل ذلك كونها تعتبر المواطنين مجرد خراف. هذا ما ترددة غالبية هيئات المجتمع المدني. عن هذه النقطة يجيب سكرتير الدولة لشئون الشباب والمسئول في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية محمد الكحص، بأن هذا الكلام غير صحيح وأن الحزب الذي ينتمي إليه قدم على الدوام برنامجه الخاص في كل استحقاق انتخابي، حتى خلال سنوات الشدة والمواجهة مع الحكم، كذلك، عندما شارك وقاد حكومة التناوب برئاسة أمينه العام عبدالرحمن اليوسفي. اليوم، وبناء على إحدى مواد القانون، فإن ثمانية من الأعضاء المؤسسين عليهم تقديم خمس نسخ عن مشروعات البرنامج. وتنص المادة 21 على أنه يتحتم على كل حزب سياسي ان يمتلك برنامجاً ولوائح داخلية مكتوبة، كما عليه أن يعقد مؤتمره في المهل التي يحددها نظامه الداخلي. في هذا الإطار يشار إلى أن غالبية الأحزاب لا تحترم مطلقاً هذا الجانب القانوني.

ومن الشروط الأخرى التي أربكت الأحزاب السياسية: مصادر التمويل. في الواقع، وبمجرد الإعلان عن هذا القانون في الجريدة الرسمية، ستجد التشكيلات السياسية نفسها مرغمة على نشر بيانات لحساباتها. ما يعني أن الشفافية ستسحب نفسها مستقبلاً على مختلف نشاطات العمل السياسي في المغرب. ما يفرض وضع آليات مراقبة مصاريف الأحزاب مقارنة بالمساعدات التي تقدمها الدولة. في المقابل، سيكون لهذه الأحزاب امكانات أخرى للحصول على تمويل من الدولة. فهذا التشدد في مجال التمويل هو طريقة غير مباشرة لمواجهة أي تمويل ممنوع يتم الحصول عليه عبر دولة أجنبية أو مؤسسة مشبوهة. وحده «حزب العدالة والتنمية»، الإسلامي التوجه والممثل في البرلمان، أعلن بلسان أمينه العام سعد الدين عثماني أن تنظيمه ليس مستهدفاً وليس معنياً بأي من هذه الإجراءات والشروط. الأكثر من ذلك، فهو يؤكد انه مرتاح جداً للتوجه الجديد، كذلك المواد الواردة في مشروع القرار.

ومن بين الإجراءات غير الواضحة تماماً، المادة الرابعة التي تنص على أن إنشاء أي حزب سياسي بهدف المساس بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي ووحدة التراب، أو الذي يقوم عموماً على قضية أو هدف مخالف للدستور أو مبني على قاعدة دينية جهوية، عرقية أو ثقافية، هو باطل. وبان أي خرق لمواد القانون يؤدي إلى تعليق نشاطات الحزب في المرحلة الأولى ويتم حله في مرحلة لاحقة. شروط كافية لدفع الأحزاب المغربية لتحسين أوضاعها أو اضطرارها إلى الغياب

العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً