فوز رئيس الوزراء الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في مواجهة منافسه فيكتور يوتشينكو الموالي للغرب الأوروبي - الأميركي برئاسة أوكرانيا أطلق إلى العلن ذاك الصراع الخفي بين موسكو وواشنطن. فالولايات المتحدة أعلنت رسمياً انها لا تعتبر النتائج «شرعية»، وطالبت بإعادة النظر فيها، وهددت بعواقب في العلاقات بين أميركا وأوكرانيا.
اللجنة الانتخابية الأوكرانية تجاهلت الضغوط الأوروبية والمطالب الأميركية وأعلنت النتائج ووعدت بفتح تحقيق في الشكاوى المقدمة. المعارضة الأوكرانية رفضت بدورها النتيجة وأنزلت أنصارها إلى ساحات العاصمة واحتلت البرلمان وأعلن الخاسر يوتشينكو نفسه الرئيس المنتخب.
الاتحاد الأوروبي تدخل في المسألة أيضاً وأعلن تأييده للمعارضة وطالب بعدم استخدام القوة لحسم الموضوع. روسيا رفضت التدخلات الخارجية وحذرت من المواقف الأميركية - الأوروبية واعتبرتها خطوات غير مسئولة، واعترفت بالنتيجة التي أعلنت فوز يانوكوفيتش.
المفاجأة كانت من المحكمة الأوكرانية العليا التي رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات قبل استكمال التحقيق في صحة الشكاوى المقدمة من المعارضة. وبدوره أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لانتظار التحقيق وقرار المحكمة العليا الأمر الذي يعتبر بداية تراجع في الموقف من مسألة الانتخابات. وبانتظار قرار المحكمة العليا يبقى السؤال: هل تتراجع موسكو عن أمنها القومي في حال قررت المحكمة فوز المرشح الموالي للغرب؟ هذا السؤال يعطف على آخر: ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي (مدعوماً من الولايات المتحدة) في حال قررت المحكمة تثبيت النتائج وإعلان فوز المرشح الموالي لروسيا؟
الأجوبة يصعب تقديرها من الآن. إلا أن الثابت في الموضوع هو أن الانتخابات الأوكرانية شكلت بداية تحول في حسابات العلاقات الروسية - الأوروبية وربما تزيد من حدة التوتر الدولي بين موسكو وواشنطن. فواشنطن تعتبر الانتخابات الأوكرانية فرصة سياسية للتدخل وتستخدمها وسيلة للضغط على الكرملين. والاتحاد الأوروبي يحاول من خلال تدخله في مسألة محلية امتحان قدراته السياسية في معادلة القوة الدولية.
المشكلة تبقى في روسيا، فهي في النهاية الطرف المستهدف من وراء التلاعب بنتائج الانتخابات وبالتالي فهي القوة المطلوب منها التنازل ولو على حساب أمنها القومي وموقعها الاستراتيجي ونفوذها في أوروبا الشرقية. فأوكرانيا بعيدة عن الولايات المتحدة وهي ليست قريبة من قلب أوروبا ولكنها تعتبر جغرافياً دولة ملاصقة لروسيا وتؤثر عليها مباشرة في حال زحف الحلف الأطلسي (الناتو) إليها.
هذا الوضع محرج لروسيا مهما كانت النتيجة. فإذا فاز المرشح الموالي لموسكو فإنها تكون حافظت على الحد الأدنى المطلوب لحماية أمنها القومي وموقعها الاستراتيجي. أما إذا أعلن فوز المرشح الموالي للغرب فمعنى ذلك أن حسابات موسكو ستبدأ بالتغير؛ لأن الخطوة التالية ستكون روسيا نفسها. ومع ذلك سيبقى الوضع الروسي في غاية القلق مهما كانت النتائج. والسبب أن أوكرانيا دخلت بعد الانتخابات الرئاسية في حال من التوتر السياسي والانقسام الأهلي وعدم الاستقرار بين الدولة والمعارضة.
المعارضة الأوكرانية، كما تبدو من خلال تداعيات الحوادث، نجحت في بعث رسالة إلى العالم وتحركت بسرعة لاثبات نفسها في الشارع وارباك الطرف الآخر مستفيدة من الدعم الأميركي - الأوروبي. والسرعة في التحرك أعطت للمعارضة أفضلية للضغط على الشارع والدولة، وباتت في موقع المتقدم في نزع المبادرة من الطرف المنافس. والغريب في الموضوع أن الطرف المنافس الذي أعلن فوز مرشحه بالرئاسة لم يتحرك على الأرض وترك المسألة للمؤسسات في وقت يملك قوة بشرية تساعده على الدفاع عن نفسه وتثبيت النتيجة.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن بين معارضة تتميز بالحيوية والقدرة على تحريك الشارع وتعرف كيف تستفيد من الدعم الأوروبي - الأميركي، وبين قوة سياسية تتمتع بالغالبية النسبية ولكنها مهمشة ومشلولة الإرادة وغير قادرة على التحرك والدفاع عن صدقية النتيجة، فسينتهي في الأخير إلى انحياز قطاعات واسعة من الناس والكتل النقابية وربما المؤسسات الأمنية إلى جانب المعارضة. وهذا ما تراهن عليه أوروبا والولايات المتحدة.
القوى المترددة بين الطرفين المتعادلين ستحسم نتيجة المعركة على الأرض مهما كان القرار الذي ستعلنه المحكمة العليا. وهذا ما يجب أن تدركه موسكو وتتحرك لاحتواء تداعياته قبل أن يفوت الاوان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ