إن الاشارة الأولى التي استلهم منها البحث عن حضارة دلمون كانت في اكتشاف الألواح السومرية التي ذكرت دلمون انما لم تكن تحدد موقعها. فمن الخط المسماري أو الألواح السومرية بدأ علماء الآثار التنقيب في العراق للبحث عن هذه الحضارة المذكورة في الألواح المسمارية وانخلقت في أذهانهم فكرة عن وجود امتداد للحضارة السومرية في مواقع أخرى من الخليج العربي. اذ يقال ان دلمون امتداد حضاري من البصرة الى عمان وعبارة عن حلقات من المستوطنات البشرية التي لها مظاهر حضارية ومواقع تجارية مهمة كان غالبيتها على البحر. هذا ما يؤكده رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى أمين ويدلل عليه من خلال الحوار الآتي عن علاقات دلمون الخارجية والعلاقات التجارية بشكل أخص. نفرد هنا اللقاء... هل كانت دلمون بمعزل عن الحضارات التي كانت تحيط بها والى أي مدى أثرت وتأثرت بها؟ - عندما نقبت البعثة الدنماركية في البحرين وجدت هناك تشابها بين الموجودات الأثرية في البحرين والموجودات الأثرية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وبعض الموجودات في قطر، فيلكة وساحل المملكة العربية السعودية. فحضارة دلمون كانت حضارة قائمة بذاتها ولكن كانت لها اتصالات وكان سفيرها الختم الدلموني الذي وجد في مواقع شتى خارج المنطقة وهو الأمر الذي يدل على علاقة تجارية موجودة بين الحضارات كحضارة وادي السند وحضارة الرافدين - مابين النهرين- وحضارة دلمون كرابط بينهما. بل ان بعض الأحجار الموجودة في البحرين نقلت الى البحرين ومنها الأحجار الصوانية التي نقلت من أفغانستان، ايران، وبعض المعادن مثل النحاس نقلت من عمان، إذا فالبحرين كانت ذات وجود حضاري له ارتباط بالحضارات الأخرى الشرقية. وهل توجد وثائق تثبت ذلك؟ - لم توجد أية وثائق تدل على ذلك ما عدا حجر «ديورانت» الذي أخذ من المدرسة الداوودية في الخميس أو بلاد القديم الى بريطانيا وفقد هناك وكان عليه نقش مسماري بسيط يدل على وجود ملك ومملكة وشعاره كان سعفة النخلة اضافة الى بعض الألواح المسمارية التي وجدت بواسطة البعثة الفرنسية في المنطقة في موقع قلعة البحرين. كذلك وجود القطع المعدنية أو النحاسية أو المشغولات اليدوية المقبلة من حضارات أخرى. ولكن حتى الآن لم تكتشف المكتبة أو الارشيف الدلموني الذي كان من المفترض أن يحتوي على مخطوطات مسمارية تدل على حضارة دلمون. وما هو تأثير موقع دلمون الجغرافي؟ هل شكل همزة وصل بين الحضارات القديمة؟ - إن البحرين تعتبر منذ القدم وحتى اليوم ميناء. وعند التدقيق نجد أن الميناء الحديث في الخط الساحلي نفسه للميناء القديم سواء كان كلامنا عن «باربار» كميناء، أو قلعة البحرين كميناء أو من قبل كالقلعة الاسلامية كميناء أو موقع المنامة الحالي الذي يطور الى الميناء المالي للبحرين. فالبحرين كانت البوابة الشرقية الاقتصادية والتجارية للجزيرة العربية الى منتصف القرن الماضي وبالتالي فإن الارتباط الذي وجد من أيام دلمون مع الحضارات الأخرى هو الارتباط نفسه الموجود اليوم بين البحرين كمركز اقتصادي مالي وبين المناطق التجارية الأخرى. وعندما جاءت في فترة من الفترات بعثة يابانية للتنقيب عن الخزف في البحرين ووجدت قطعا من الخزف في موقع القرية الاسلامية وفي موقع قلعة البحرين مستوردة من كمبوديا، كوريا والصين وترجع الى آلاف الأعوام وبالتالي فإن البحرين كانت موقعا يتسلم تجارة الشرق وينقلها الى الغرب عن طريق ما بين النهرين والشام والجزيرة العربية الى أوروبا، وكذلك فإن بعض اللغة الأثرية في الأوزان الدلمونية وجدت في سورية وكذلك بعض الأختام ومعنى ذلك أن هناك ارتباطا تجاريا بين البحرين وسورية. وما الطرق التجارية التي توافرت وقتها؟ - لقد كان هناك طريق بحري عن البحر الأحمر، اضافة الى طريق بري وهو طريق قوافل اليمن الى الشام، كذلك كانت هناك طريق القوافل من مكة والمدينة الى اليمامة الى البحرين ومن البحرين الى هجر على الساحل الشرقي للجزيرة العربية الى الشام وكلها كانت طرقا تجارية متقاطعة. هذا من جانب ومن جانب آخر كان هناك الطريق المشهور وهو طريق الحرير الذي يمر عبر الأراضي الفارسية الى ما بين النهرين الى الشام والى أوروبا. ونحن عندما نتحدث عن الطرق التجارية نتحدث بصفة أن دلمون كانت حضارة بحرية فكانت هناك بعض الأختام الدلمونية التي تدل على أنه كانت هناك سفن دلمونية على الخليج وتحمل بضائع من منتوجات دلمون وتأتي إلى دلمون بمنتوجات أخرى. وماذا كانت عناصر هذه التجارة؟ - بحسب التنقيبات فإن عناصر هذه التجارة كانت أخشابا، نحاسا، رصاصا، زنكا، قصديرا، تمورا، عصارة التمور - الدبس -، حبوبا، أقمشة، صوفا، تنكا، عاجا، أحجارا صوانية، ذهبا، بعض القلائد والأحجار الكريمة، فئوسا وأوزانا دلمونية، وكل المواقع الأثرية الموجودة في الخليج وجدت فيها كل هذه العناصر بنسب مختلفة. ولو أردنا تسجيل هذه الآثار، فما شروط تسجيل أي منها في اليونسكو؟ - إن من هذه الشروط المحافظة على الطابع والمحيط الأصلي للموقع الأثري والمحافظة على التركيبة السكانية والبيئة السكانية والبيئة المعمارية للمنطقة من دون تغيير، كذلك وجود دلائل تثبت أهمية الموقع الأثري، ووجود أعمال تنقيبات ودراسات تؤيد هذه الدلائل اضافة الى ندرة الشيء ومدى محتوى هذا الموقع على معلومات عن تاريخ الانسانية، على سبيل المثال موقع قلعة البحرين كموقع اثري تسعى اليونسكو الى ادخالة ضمن قائمة التراث الانساني، لا ينظر اليه كما هو حاصل بالخطأ على أنه قلعة البحرين، فقلعة البحرين ما هي الا بناء أو حصن بني على تلة توجد تحتها آثار ترجع الى خمسة آلاف عام وبالتالي نحن نتحدث عن موقع تحته آثار تراكمية عمرها خمسة آلاف عام وقلعة البحرين ما هي الا قلعة بنيت في فترة لاحقة يمكن أن يكون عمرها لا يتجاوز الألف عام وليس أكثر وتعود الى فترات كثيرة اسلامية، هرمزية وبرتغالية. ولكن اليونسكو لا تسعى الى تسجيل قلعة البحرين في التراث الانساني وانما موقع قلعة البحرين الذي يحتوي على مدينة دلمون القديمة، القلعة الاسلامية، قلعة البحرين، ومحيط كبير حول القلعة وكذلك بعض القرى المحيطة بالقلعة والبيئة القروية الموجودة فيها والتركيب السكاني كذلك المحافطة على الواجهة البحرية المتميزة لموقع قلعة البحرين. فاذا طبقت كل هذه الشروط قبلت اليونسكو تسجيل هذه الآثار وعلى ما أذكر فان هناك لجنة ترسل من خلال اليونسكو وأن البروفسور الفرنسي «ايير لومبارت» رئيس البعثة الفرنسية هو المسئول عن التسيق بين منظمة اليونسكو ووزارة الاعلام في البحرين من اجل استيفاء جميع الأشياء المطلوبة لتسجيل موقع قلعة البحرين في تراث الانسانية. وما الفوائد التي ستعود على البحرين - القلعة من وراء هذا التسجيل؟ - إن اليونسكو تهدف الى المحافظة على التراث الانساني والتراث الانساني هو انتماء الانسان الى تاريخ بشري متميز. والبحرين تميزت بحضارة دلمون وحضارة تايلوس والفترة الاسلامية، الفارسية والعربية وما الى ذلك. فانتمائي الى هذا البلد موجود في سجل وهذا السجل أعود اليه في موقع قلعة البحرين. ففي الوقت الذي تشجع فيه اليونسكو الاتصال الثقافي تشجع التميز، اذ كل ثقافة تتميز عن الأخرى، فلا مانع من التداخل ولا من التحاور، فأنا عندما أقوم بالتحاور مع الثقافات الأخرى ما الذي أبيعه لها؟ انما أحدثهم عن التاريخ والآثار، والناس من الثقافات والحضارات الأخرى عندما يأتون الى البحرين ما الذي يريدون رؤيته سوى حضارة البحرين وثقافتها وتاريخها وهذه هي ثقافة البحرين وحضارتها وربما يكون مشروع المرفأ المالي ينبه المسئولين الى اعادة الحياة الى المرفأ المالي القديم الموجود على الساحل نفسه وهو ميناء باربار وميناء قلعة البحرين والقلعة الاسلامية
العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ