العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ

الصراع على أوكرانيا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك ثلاثة رؤساء الآن في أوكرانيا. الأول هو الرئيس الحالي (ليونيد كوتشما) المنتهية مدة ولايته. والثاني الرئيس الفائز فيكتور يانوكوفيتش. والثالث رئيس المعارضة فيكتور يوتشينكو.

يأتي هذا التطور اللادستوري في وقت يهدد الاتحاد الأوروبي بقطع علاقاته مع أوكرانيا إذا لم تعدل نتيجة الانتخابات داعمة بذلك المعارضة التي هددت بالعصيان المدني الأمر الذي ينذر باندلاع حرب أهلية بعد أن أعلن الجيش (وزير الدفاع) أن الانتخابات صحيحة.

موسكو دعمت الرئيس الفائز وطلبت من التحالف الأوروبي - الأميركي عدم التدخل والوقوف على الحياد؛ لأن تصريحات مسئوليها تشجع المعارضة على ركوب رأسها والتورط في مواجهات غير محسوبة.

الوضع إذاً يشير إلى احتمال حصول مواجهة دولية إذا تمسك كل طرف بمواقفه وبمرشحه الفائز، وهذا الأمر يذكر بذاك الصراع على الرئاسة الذي نشب في جورجيا العام الماضي بين مرشح يميل إلى تطوير علاقاته مع روسيا ومرشح يفضل تحسين علاقاته مع أميركا. وانتهت المعركة لمصلحة الرئيس الموالي للغرب.

هل يتكرر السيناريو نفسه في أوكرانيا وتتراجع روسيا عن حقوقها السياسية والأمنية في مجالها الجغرافي أم تتمسك بموقعها ودورها الذي تآكل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته؟

لا يمكن تحديد جواب نهائي على المسألة ولكن يرجح أن موسكو لن تتساهل في موضوع الصراع على أوكرانيا كما تساهلت في موضوع جورجيا. فأوكرانيا هي خاصرة روسيا في شرق أوروبا وهي داخلة في جوفها في المنطقة المطلة على البحر الأسود. وفي حال تساهل الرئيس فلاديمير بوتين في هذه المعركة يكون أدخل بطريقة غير مباشرة قوات الحلف الأطلسي (الناتو) إلى عقر داره وأعطى فرصة للولايات المتحدة لاستكمال تطويقها لروسيا من أفغانستان إلى أوكرانيا. وباتت واشنطن في موقع يسمح لها بالضغط على الكرملين في البحرين: قزوين والأسود.

الصراع على أوكرانيا هو أخطر ملف فتحته إدارة جورج بوش في ولايتها الجديدة، وإذا نجحت واشنطن في مهمتها هذه فستصبح أبواب موسكو تحت مطارق الولايات المتحدة. أي ان البيت الأبيض في عهد بوش الابن يكون نجح من حيث فشل نابليون بونابرت حين هُزم على أبواب موسكو، وتكرر الفشل نفسه حين انهزمت جيوش هتلر النازية على أبواب تلك العاصمة التي قهرت كل الطامحين.

تعتبر أوكرانيا مساحة استراتيجية أمنية وسياسية في توازن القوى الروسية - الغربية (الأوروبية - الأميركية) فهي كانت الجمهورية الثانية من حيث الأهمية في عهد الاتحاد السوفياتي السابق وكذلك اعتبرت لفترة طويلة «سلة غذاء» الجمهوريات السوفياتية طوال 70 عاماً. وبسبب مجموع هذه العوامل الاستراتيجية (الجغرافية - السياسية - الأمنية - الاقتصادية) يستبعد أن يتساهل الرئيس بوتين ويفرط بأوكرانيا كما فعل سابقاً في جورجيا.

أوكرانيا مهمة جداً لروسيا وهي جزء من توازنها السياسي. وفي حال انسحبت من هذه المواجهة التي فتحها الغرب من خلال صناديق الاقتراع فمعنى ذلك أن موسكو عرضت نفسها للرياح الداخلية ووضعت مستقبلها تحت مطارق واشنطن.

أهمية أوكرانيا أدركها الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، حين فشل مشروعه الإصلاحي (غلاسنوست، وبيروسترويكا) وبدأ الاتحاد يتفكك. فالرئيس غورباتشوف أكد مراراً أنه لا يتصور الاتحاد السوفياتي من دون أوكرانيا. وفعلاً حين استقلت كييف انهارت صيغة الاتحاد. والآن في حال انفصلت أوكرانيا عن نطاقها الجغرافي وانحازت إلى الاتحاد الأوروبي فيرجح أن تحتل المرتبة السادسة بين دول المجموعة بعد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا. فدورتها الانتاجية كانت تقدر آنذاك (العام 1993) بنحو 500 مليار دولار سنوياً. فهي كانت تنتج في منظومة الاتحاد السوفياتي السابق نحو 56 في المئة من محصول الذرة، و54 في المئة من محصول السكر، و25 في المئة من محصول القمح، و21 في المئة من اللحوم والألبان. وكانت تنتج أيضاً 47 في المئة من الحديد، و23 في المئة من الفحم و30 في المئة من المواد الكيماوية.

هذا الوضع السابق لم تعد تتمتع به أوكرانيا الآن بعد انهيار اقتصادها الاشتراكي ونقدها الوطني ونمو التضخم وتعطل دورة الانتاج... إلا انها لاتزال تتمتع بأهميتها السياسية والأمنية وقدراتها الاقتصادية وهي كلها تشكل حاجة روسية، وفي الآن تضغط نفسياً على موسكو في حال خروجها والتحاقها بالغرب.

وأخيراً، يبقى السؤال من دون جواب. هل يجدد الصراع على أوكرانيا «الحرب الباردة» أم تتراجع موسكو أمام الهجوم الأميركي الذي بدأ يطرق بقوة أبواب الكرملين؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً