يبدو أن القوى السياسية العراقية ذات التوجهات العلمانية التي أعلنت نيتها خوض الانتخابات العامة في 30 يناير/ كانون الثاني المقبل فشلت في الاتفاق على النزول بقائمة مشتركة، وبذلك بدت الساحة السياسية العراقية أكثر تأهيلاً للقوى الدينية (الشيعية) التي حققت ما عجز عن تحقيقه الآخرون، فقد اتفق المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة السيد عبدالعزيز الحكيم وحزب الدعوة الإسلامية بقياد إبراهيم الجعفري وأحزاب وتجمعات دينية (شيعية) صغيرة بالتحالف مع شخصيات ليبرالية (شيعية) أيضاً مثل أحمد الجلبي تقديم قائمة موحدة بعد أن فقدوا الأمل في إقناع تيار الصدر بالانضمام إليهم.
وفي حمى التحضيرات للانتخابات التي تبدو أنها ستثير المزيد من المشكلات بدلاً من تهدئة الأوضاع لإرساء نوع من الاستقرار النسبي، أعلن متحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني أن اجتماع مصيف دوكان الذي دعت إليه القيادات الكردية وحضره ممثلون عن المؤتمر الوطني بقيادة أحمد الجلبي وحركة الوفاق بقيادة إياد علاوي والحزب الشيوعي العراقي بقيادة حميد مجيد موسى وتجمع الديمقراطيين المستقلين بقيادة عدنان الباجه جي والحزب الوطني الديمقراطي بقيادة نصير الجادرجي وبعض الأحزاب الكردية والعربية الصغيرة، قد فشل في الاتفاق على قائمة انتخابية موحدة، لذلك فإن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني سيشاركان في الانتخابات بقائمة مستقلة.
وهذا الأمر نتج في الواقع من اختلاف الرؤى بين هذه القوى بشأن الكثير من القضايا بما في ذلك الموقف من الفيدرالية وكركوك وأيضاً بإشراك المناطق السنية في العملية الانتخابية. وفي المقابل، فإن هنالك قوى أخرى ارتأت الدخول في الانتخابات بقوائم مستقلة منذ البداية، مثل الحركة الدستورية بزعامة الشريف علي بن الحسين، في حين أعلن 46 حزباً جديداً (صغير الحجم) استعدادها للمشاركة في الانتخابات، بعضها مع القوائم (الشيعية) وبعضها مع القوائم (السنية) التي يجرى التفاهم بشأنها. ولكن هنالك قوى عدة أخرى أعلنت مقاطعتها للانتخابات مثل حركة العشائر وهيئة علماء المسلمين ورابطة عشائر مدينة الصدر ومجلس أهالي المدائن وحركة التيار القومي العربي والحركة الوطنية الموحدة والحزب المسيحي الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية وغيرها.
والواقع الراهن يبدو أكثر تعقيداً فيما يتعلق بالتحضير للانتخابات وإجرائها في موعدها المحدد، لأن مقاطعة هذه الانتخابات من قبل شرائح واسعة سوف لن يوفر غطاء الصدقية والنزاهة لها، إذ تشتد محنة المزيد من المدن العراقية فيما يدعى بـ «المثلث السني»، فضلاً عن مدن أخرى مثل مدينة الصدر والبصرة وإلى حد ما الناصرية والنجف وكربلاء.
فالتيار الصدري هو الآخر يهدد بمقاطعة الانتخابات، وإذا أضيفت إليه مدن الغرب العراقي وبعض أجزاء مدينة بغداد والموصل والبصرة، فإن الأمر برمته سيبدو كالمسرحية التي ليس لها جمهور، وهذا ما يتوقعه الكثير من المحللين العراقيين
العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ