القلم في يد الكاتب يمكن أن يتحوّل إلى معول هدم وتشويه وتطاول، ويمكن أن يتحول إلى عامل تصحيح وتوجيه وتصويب للمسارات الخاطئة في حياتنا. من ذلك مثلاً استغلال بعض الأطراف «غير السياسية» التي دخلت المعمعة السياسية في وقت متأخر للفوز بمقاعد في البرلمان. وهي فئة معروفة للناس في هذا المجتمع الصغير، لا تحتاج إلى كثير ذكاء لاكتشاف شخوصها وأبطالها. بل ان بعض هؤلاء «تسلّلوا» إلى ميدان العمل الاجتماعي والخيري، وغزوا بعض المؤسسات والصناديق الخيرية، من أجل التودّد للناس وضمان أصواتهم. هذه حقيقة يسلّم بها الكثير من المراقبين، ويستغلها بعض الكتبة في النيل من الجميع. ولا ينبغي اتخاذ تلك الحقيقة التي تصدق على البعض للوقوع في خطأ التعميم على الجميع. ففي مثل هذه المؤسسات الكثير من العاملين الخيّرين الصادقين، سنة وشيعة، يعملون في هدوء وبعيداً عن الأضواء الإعلامية، لا يريدون جزاءً ولا شكوراً، ومن حقّهم علينا أن نقف معهم وندعم جهودهم، ونؤازر مشروعاتهم التي تصبّ في رفع العوز عن تلك الشريحة المتعبة في قاع المجتمع.
الجانب الآخر من المفروض أن يتحرى الناس الحقيقة قبل إطلاق الأحكام المتسرعة على هذه الفئة العاملة المتطوعة. والمسألة ليست تقديساً وإغماضاً عن جوانب قصورهم أو تقصيرهم، فمن حق المجتمع محاسبتهم على أدائهم، ولكن من الخطأ تصويب السهام قبل التثبت من الوقائع والحقائق.
هذا عن دورنا أفراداً في هذا المجتمع، أما دور الصحافة، فبالإضافة إلى التغطية الموضوعية المنصفة، ينبغي التزام «الأدب» لدى تناول هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية، فهي من أنجح التجارب الاجتماعية، ودورها لا ينكره إلاّ جاحد. فهي تقوم بسد حاجات آلاف الأسر المحتاجة، بصورة شهرية وموسمية، وتقدم المساعدات العلاجية والتعليمية، وتمول بعض الدارسين في الجامعة بما يعلم الشخص الصيد بدل إعطائه سمكة، وهو من أسمى ما يمكن أن تقوم به الصناديق الخيرية لخدمة المجتمع على المستوى البعيد.
لست في وارد استعراض كامل الفعاليات والأنشطة، من تكريم للطلبة المتفوقين وإغاثة ضحايا الحوادث الطارئة كالحريق... إلخ، ولكن يسوؤني أن يتعرض البعض لهذه التجارب بالحديث الخفيف المستهتر، فيصوّرها «كالغلمان في المقابر، وفي كل داعوس صندوق خيري».
وإذا كان ذلك التشخيص صحيحاً، فالخطأ ليس وجود الصناديق الخيرية، بل هذا النظام الاقتصادي غير العادل في توزيع الثروة، الذي يسمح بتحويل البحرين إلى «مومبي الخليج» على حد تعبير الكاتب نفسه! وإذا كان يعتقد أن هذا الوصف سيضحك بعض قرائه، فيشهد الله إنه يسوؤنا جداً جداً...
في البلدان التي تقدّر العمل الخيري والتطوعي تقوم بتكريم هؤلاء الجنود المجهولين، أما مثل هذا الكاتب، فلا يتورع عن النيل من هذه التجارب الخيّرة، التي وصفها من باب خفة الدم بـ «صناديق» و«قواطي»... هذه القواطي «مؤسسات مجتمع مدني»، تعمل في جانب البناء، أقامها المخلصون من أبناء هذا الشعب سنةً وشيعةً، نرى آثار أيديهم الطيبة في كفالة الأيتام وإغاثة المحتاج والستر على العوائل الفقيرة عن الانحراف. وعلى رغم انتشار الفقر بين أبناء هذا الشعب وقلة ذات اليد، تراهم يمدون أيديهم إلى خارج الحدود، فيجمعون ملابس أطفالهم ويتقاسمون القرص ويبعثون الدينار إلى افغانستان والعراق وفلسطين، رحمة ألقاها الله في قلوب أبناء هذه الأرض، فكفى سماجة يا صاحب الصندوق الأسود
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 812 - الخميس 25 نوفمبر 2004م الموافق 12 شوال 1425هـ