العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

موت الكورس بالمقلوب

حسين السماهيجي comments [at] alwasatnews.com

لم يكن يوازي ألمَه وحزنَه الذي يتقاطر من عباراته إلا مقدارُ رفضه لمشهد يحس، هو، أنه ابتعد عن مساحتِهِ الجميلة التي كان، ولايزال، يحرص عليها حرصَه على نتاجاته وإبداعاته التي تعدّدت انتماءاتُها، وتناثرت بين حقول شتى يؤلف بينها بروحه، وبألق يسحب ضياءه على تلك الأطياف المشحونة بدم غير قابل للتدجين، لا من قبل سلطة ولا من قبل رفقة.

إنه المأخوذ بشيء اسمه «الناس»...

يقتصد في بوحِهِ الذي ربما اعتبرَه بعضُ الأصدقاء إسرافًا في لحظة توزّعت مقلتاه فيها بين ماضٍ تطرّف في إدانتِهِ، وبين مستقبل مفتوحٍ على احتمالاته التي تريد له، أو يريد هو لها - ولا فرق في هذه اللحظة - أن تعبر به إلى حيث مواقعه الأولى...

حتى إن الحداثة عنده، عوضًا عن أن تكون مستقرّة في بئر الذات الفردية التي لا تني تبحث عن لحظتها المغايرة و/أو المتغيرة دومًا، تغدو ذوبانًا في «ناسِهِ» هو، وإمعانًا في الخروجِ إلى قراءاتهم هم...

هكذا نظر الفنان عبدالله يوسف إلى الأمر في الأمسية العتيدة التي أقيمت له مساء الأحد 21/11/2004م، بأسرة الأدباء والكتاب.

إن أعماله (تمثل حداثة مستدامة كونها حققت صمودًا باستقرارها في ذاكرة الناس) - يقول عبدالله يوسف - إنها ، إذاً، الحداثة التي تفتش عن بيئتها الطبيعية، عبر ثقة كبيرة جدا بالمتلقي. هذا المتلقي غير المحدد، الهلامي، المرعب، المفتت، الموزع بين الطبقات والانتماءات، هو الذي يريده الفنان عبدالله يوسف، ويلح عليه، ويرى أنه ليس ثمة حياة حقيقية للفن إلا بالناس، بل ويرى أن الحداثة لا تتناقض معهم على رغم تناقضاتهم... (استطاعت تلك الأعمال أن تحدث ثغرة في الجدار السائد، طل منها التشكيل على الناس بكل ما تعنيه كلمة الناس من تصنيف، لذلك استقطبت تلك الأعمال وَلَهَ الناس الفطري بالفنون والآداب في تلك الفترة على رغم ما كانت تنطوي عليه تلك الأعمال من حداثة في الشكل لمضامين إنسانية وهموم اجتماعية مازالت سائرة في الناس، بل ربما تجذرت الآن واستطالت عميقا في واقعهم أكثر من أزمنة مضت) يقول عبدالله يوسف. ويشير، في ورقته، إلى إشكالية تبعثر الناس وانصرافهم وانكفائهم، ليتساءل - ضمن الجدل الذي ثار من بعد - تساؤلا مرا: أليس الطرف الآخر مسئولاً أيضًا؟!

وعلى رغم الاختلاف المحقق لدى الكثيرين من الأصدقاء مع الفنان عبدالله يوسف بشأن أطروحاته، فإنه يبقى علامة بارزة على إمكانية إبداعية متعددة الأوجه، استطاعت النفاذ باقتدار لا يمكن أن يتطرق إليه شك، إلى المسرح والتلفزيون محمّلا بذخيرة التشكيلي الذي يعيد خلق الأشياء والكائنات... وهل يمكن لأحد أن يتجاوز «البراحة» أو «عويشة» أو «وجوه»؟!... وما تلك إلا أمثلة تؤشر إلى إمكانات هائلة عند هذا المأخوذ بالإبداع أنّى حطّت به الرّحال.

يبقى الجانب الآخر المثير في مداخلته وإجاباته، والمتمثل فيما كان يهجس به من إدانةٍ تكاد تكون شبه كلية للمشهد الثقافي الذي - كما يراه - ابتعد عن «الناس» الذين يشكّلون البيئة الطبيعية للفن، ورئته التي يتنفس بها، وعلى وجه الخصوص في المسرح والتشكيل. وعلى رغم ما يمكن أن يؤخذ على الفنان عبدالله يوسف عن رؤيته هذه، فإنها تبقى شهادة بالغة الأهمية بشأن راهن المشهد الثقافي، وأمسِهِ القريب، ومستقبله الذي تتعدد نوافذه.

إنها إدانةٌ تتخلّق عبر هجرة من بئر الذات الفردية إلى قلوب وأفئدة «الناس»، تكاد تذكرنا بلحظة «موت الكورس»، ولكنْ بالمقلوب هذه المرة

العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً