في عصر ثورة الاتصالات المدعومة بقوة تقنية المعلومات لم يعد الكون مجرد قرية صغيرة يمكن لأي إنسان جالس في أي ركن من الكون الإطلاع على مجريات الأحداث في مختلف أرجاء المعمورة وتداعياتها بل أضحى في مقدور الإنسان أن يكون أكثر معرفة بتفاصيل تلك المجريات وأبطالها. ومع تمدد قدرات عصر العولمة تعاظمت الدعوات في السنوات القليلة الماضية إلى ضرورة أن يكون عصر العولمة أكثر إنسانية ونبلاً وتوقف الكثير من المفكرين والكتاب والباحثين أمام حال الفقر الذي تنامى بصورة لافتة في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق رفعت المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني من تقديراتها لأعداد الفقراء، الذين يمكن تصنيفهم في إطار الجياع، من مليار شخص في العام 2002 إلى نحو مليار و350 مليون في العام 2004. وهؤلاء الناس ممن يقل دخل الفرد اليومي عندهم عن دولار واحد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» تبنت أهداف (الحد من الجوع) التي وضعتها القمة العالمية للأغذية في العام 1996 وجمعية الألفية الجديدة للأمم المتحدة اللتين اتفقتا على خفض عدد الجياع في العالم بنسبة 50 في المئة بحلول العام 2015. غير أن «الفاو» ترى أنه ما لم يتم الإسراع بإخراج الجياع من دائرة الجوع بوتيرة أسرع بكثير عما هي عليه الحال الآن ، فإنه من المستبعد أن يتحقق الهدف المنشود.
وكان من بين المبادرات التي طرحها المهتمون بتقليص مساحات الجوع في العالم مبادرة تدعو إلى تقسيم المناطق الأكثر تعرضاً للجوع في العالم بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب أو سوء الإدارة إلى أقاليم، ومن ثم تقوم الدول الأكثر غنى، في كل إقليم، بدعم برامج تنمية بشرية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى تتركز على تمويل مشروعات زراعية ورعوية وتعليمية وصحية وفقاً لبرامج تنهض بها منظمات الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية تستهدف القضاء على حالات الفقر والجهل والمرض. غير أن تلك المبادرات قابلتها الدول الأكثر ثراءً بالكثير من التجاهل والإهمال.
والآن حان الوقت إلى ضرورة تنشيط مثل هذه المبادرات البالغة النبل لانتشال آلاف الملايين من دائرة الفقر الآخذة في الاتساع عاماً إثر عام. والمبادرة تعود في هذه الحال مجدداً إلى الدول الأكثر ثراءً. فهل لدى قادة تلك الدول الجرأة اللازمة للمساهمة في معالجة واحدة من أكبر مشكلات العالم في مطالع القرن الجديد؟
العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ