أثبت السيدالسيستاني قدرة فائقة على التعاطي السياسي وأنه هو المنقذ للمجتمع العراقي إذ إنه يتحرك بذكاء خارق، وكان لصيقاً بالشعب العراقي في أوج محنه. ففي فترة طاغية العرب «صدام المؤمن»، «حامي حمى الإسلام وحارس البوابة الشرقية» لم يترك السيد الناس في أزمتهم ولم يتورط في مدح الطاغية ولم يفْتِ بفتوى داعمة له على رغم كل الضغوط التي مورست ضده. بطَش صدام بالمراجع وكل يوم يقتل مرجعاً والعالم الإسلامي في صمت مطبق، لا بيان يندد ولا رعشة لهدب، ومرت سلسلة جرائم صدام من ذبح وقتل وتعذيب وقبور جماعية وكل العالم ينظر بعين باردة وكأن هذا الشعب المظلوم مجرد حشرات. وتورطت أميركا بسكوتها عن كل الجرائم بل أعطت الضوء الأخضر لصدام ليذبح الناس في انتفاضة الجنوب بعد انهزام صدام في الكويت في حرب الخليج الثانية وضرب أزلام صدام العتبات المقدسة وارتكبوا المجازر! هنالك لم نسمع قومياً واحداً ولا ليبرالياً ولا إسلامياً يندد بالمجازر ولو من باب المجاملة، بل على العكس... هناك من ذهب ليبرر المجازر على طريقة تلك العجوز الشمطاء التي تبحث عن الشهرة، والتي مازالت تبكي على صدام في الفضائيات ولم تخرج من الصدمة.
الغريب من هؤلاء المسعورين في حب الطاغية ان المقابر الجماعية لصدام يبررونها هي الأخرى! أنتم تزايدون على السيستاني؟ سؤال فطري أسأله: أين يعيش بالأمس واليوم وأين عاش صدام؟ بالأمس أفصحت الدول العربية في شرم الشيخ عن دعوتها للانتخابات في العراق... «يا الله راوونه عرض اكتافكم».
المشكلة... كلهم يصرخون وينددون بتحرك السيستاني وديارهم تغص بالأميركان والإسرائيليين، مكاتب إسرائيلية وأعلام إسرائيلية ترفرف بعضها منذ 24 عاماً... وكأنهم طوال هذه السنين في نوم ثم تفاجأوا. يا أخي خلو كل علماء المسلمين يفتون برأي واحد، فالمتحفظون كثر، بل بعضهم راح يفتي الشباب بعدم الذهاب للحرب في العراق، وعلى رغم ذلك لم نسمع تنديداً ولا كلمة. الغريب ان تاريخنا قام على العداء الأميركي ولم يبق لنا مرجع ولا مكان ولا أرض إلا وارتكبت أميركا فيها جريمة ضدنا، والمراجع ذبحوا بسلاح صدام الذي يتوافر من عند أميركا، وأميركا قتلت أكبر الشخصيات الإسلامية وفجرت بئر العبد لقتل فضل الله فقتل أكثر من 80 شخصاً، وذبحت عارف الحسيني في باكستان وساهمت عبر دعمها لـ «إسرائيل» في ذبح سيدعباس الموسوي في الجنوب، واختطفت السيدموسى الصدر في ظل تواطؤ دولي، وراحت عبر دعمها لصدام تخطط لقتل السيدحسن الشيرازي في لبنان والسيدمهدي الحكيم في السودان، ونكلت عبر دعمها لصدام بعائلة الصدر والحكيم وبحرالعلوم في وجبات إعدام كبرى، واستهدفت الحكيم حديثاً وقتل في النجف، وبعدها ارتكبت المجازر في كربلاء وغيرها.
تاريخ طويل من الذبح والقتل وتأميم القبضات الحديد في السجون والمعتقلات طوال 50 عاماً. كل هذا التاريخ تمر عليه كاتبة شمطاء بدم بارد وتعتبره لا شيء، أين هم أصحاب النخوة طوال هذه السنين؟ واليوم موقف السيستاني واضح، وعدم الدخول في الانتخابات سيطيل الاحتلال، ولن يفتي السيستاني، ولن تهزه مثل هذه الإشاعات. ابكوا ما شئتم... فالسيستاني لا يجيد دفع الكوبونات أو تأميم الدعم للأبناء في الدراسة في الجامعات وإعطاء أفضل التسهيلات للتصييف في لندن وغيرها من مال الشعب الذي بذّر على الرفاق باسم القومية وباسم العروبة، والآن يحصد الفقر والجوع.
ان خطابنا واضح... سمونا ما شئتم «علقمي»، «بلكمي»، «همهمي»... صدام انتهى وولى بلا رجعة، ونحن سنقف مع مرجعنا الكبير ونفديه بدمائنا شاء من شاء وأبى من أبى «واللي ما يعجبه يشرب من البحر وعنده 4 جدران واللي يريد يزايد خليه يقدم ابنائه».
العراق تغير وأصبحت فيه فضائيات تدل على التنوع، وبدأت الكعكة توزع بطريقة أقرب إلى العدالة. ان ما جرى في الفلوجة جريمة كبرى لا يمكن نصرتها بالصراخ المفتعل وانما بالعمل ومد يد المساعدة للأبرياء واحتضانهم حتى لا يصبحوا ضحية المزايدات التلفزيونية فيشربون من مثل الكأس التي شربنا منها طوال 50 عاماً. ليست عندنا مجاملة... نحن مع السيدالسيستاني... ان قال حرباً فحرب وإن قال سلماً فسلم
العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ