العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

من يهدد الآخر؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في البيان الختامي الذي صدر عن قمة «مؤتمر شرم الشيخ» بشأن العراق وردت فقرات مبهمة وغامضة في مؤشراتها السياسية تتعلق بمسألة توتر العلاقات بين «العراق الجديد» ودول الجوار. فالبند الثامن يلمح إلى ضرورة التزام أعضاء الأمم المتحدة «بشأن منع مرور إرهابيين من وإلى العراق ومنع مرور أسلحتهم أو موارد لتمويلهم». ثم يؤكد البند التاسع أهمية «علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى».

هذان البندان وردا في البيان الختامي الذي أدان الافراط في استخدام القوة وتجنب الاشارة إلى الاحتلال الأميركي مكتفياً بالقول «ان ولاية القوة المتعددة الجنسية ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية» أي أنها مؤقتة من دون أن يذكر التاريخ النهائي لانسحابها.

الكلام العام عن الاحتلال والافراط في استخدام القوة وتجنب ادانة الحرب على العراق وأخيراً الغمز من قناة دول الجوار وتحميلها مداورة مسئولية العنف والفوضى و«الإرهاب» الذي عصف بالعراق بعد الاحتلال كلها تدل على وجود تغيرات في المواقف الإقليمية.

التعديلات في المواقف جاءت لاشك في سياق تغييرات جزئية في المزاج الأوروبي تبلور بطيئاً نتيجة ضغوط تتوجت في انحياز الناخب الأميركي إلى تأييد إدارته في سياستها الخارجية، إضافة إلى تلك الأعمال الاجرامية البشعة التي ارتكبتها منظمات «قطع الرؤوس» على شاشات التلفزة والانترنت. فالناخب الذي اعطى صوته للرئيس جورج بوش وجه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي بان الغالبية الأميركية تقف إلى جانب إدارتها وانها سعيدة بـ «الانجازات» التي حققتها على صعيد الأمن القومي. كذلك وجهت منظمات «قطع الرؤوس» رسالة مرعبة للرأي العام العالمي وتحديداً الأوروبي اعطت ذريعة للاحتلال وسهلت له مهمة البطش بالمقاومة الشرعية والشريفة.

هذا الوضع المفزع إضافة إلى صوت الناخب أنتجا سياسات حذرة في التعاطي مع الاحتلال أو في تفهم المقاومة العراقية ودعمها. والنتيجة كانت صدور «البيان الختامي» المعتدل في صياغاته والمهادن للاحتلال والداعم لفكرة «الحل السلمي» واعطاء فرصة للانتخابات والشروع في ترتيب انسحاب سياسي للقوات الأميركية في إطار ما نص عليه القرار الدولي 1546.

إلا أن «البيان الختامي» يقفل فصل احتلال العراق ليفتح الكتاب على فصل جديد يتعلق باشكالية العلاقة بين بلاد الرافدين ودول الجوار. فالغموض في البندين الثامن والتاسع يفتح الصراع على جدل جديد قد يتحول إلى مواجهات محدودة أو على الأقل يعطي ذريعة للطرف الأقوى في معادلة القوة إلى ممارسة ضغوطه وفق شروطه ومعاييره على الدول المجاورة.

اشكالية العلاقة المفترضة تطرح فعلاً السؤال: من يهدد الآخر؟ هل دول الجوار تهدد أمن العراق أم قوات الاحتلال تهدد أمن دول الجوار؟

واشنطن منذ اليوم الأول للاحتلال هددت سياسياً دول الجوار وأعلنت بوضوح انها تريد تغيير خريطة «الشرق الأوسط» وان حربها على العراق هي بداية مرحلة وليست نهاية الشوط وانها تريد تغيير سياسة الأنظمة لتتناسب مع مشروعها العام. كذلك ارفقت واشنطن تهديداتها تلك باتهام دول الجوار بانها مسئولة عن عدم استقرار العراق وانها تدعم المقاومة بالمال والسلاح والرجال وانها تعطل امكانات انتقال بلاد الرافدين من الدكتاتورية إلى حكم القانون... وانها وانها إلى آخر لائحة الاتهامات.

هذا الكلام الأميركي المزدوج يوجه اشارات متناقضة. فمن جهة تهدد واشنطن دول المنطقة بالتغيير ومن جهة تتهم دول المنطقة بمنعها من استكمال احتلال العراق، وبالتالي فهو يعطي فكرة عن الابعاد الخطيرة التي يتضمنها «البيان الختامي» في البندين الثامن والتاسع. فمثل هذه الفقرات التي توضع من دون توضيح يمكن أن تستفيد منها الولايات المتحدة لتوتر أجواء المنطقة حين يستتب أمن الاحتلال ويستقر سياسياً.

الجواب على سؤال «من يهدد الآخر؟» ليس بحاجة إلى اجتهاد وعناء في التفكير. فالتوازن في معادلة القوة مختل لمصلحة الولايات المتحدة وهي تستطيع تقديم التفسير المناسب لمثل هذا «البيان» بما يتوافق مع مصالحها وسياستها واستراتيجيتها التقويضية.

أميركا هي الأقوى عسكرياً من قوى دول الجوار مجتمعة. وموازنتها العسكرية السنوية (407 مليارات دولار) تعادل مجموع موازنات كل الوزارات في إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية. موازنة وزارة واحدة تعادل موازنات مجموع الدول الخمس وبالتالي فإن التهديد الفعلي ليس من دول الجوار بل من «العراق الجديد» الذي تريده واشنطن نقطة انطلاق لما تسميه تغيير خريطة «الشرق الأوسط»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً