العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

قراءة في انشغالها بما سيكون

اليدُ... حين ترتبُ الحياةَ

خمس أصابع في كل كف... خمسة انشغالات... لكل انشغال عقله الخاص وهيئة ما يريد... فيما الذي يراد تكوينه واحدٌ... واحدٌ فيه من العقول والانشغالات والرؤية والرؤيا الشيء الكثير.

ليست يداً... ليست أصابع... إنها الترجمان للعقل، والترجمان للحاجة، والترجمان لترتيب الحياة بشكل لائق.

في اللغة... مالكَ عليه يدٌ، أي ولاية، وأعطى بيده، أي انقاد واستلسم، ويدُ الطائر جناحه، ويد الدهر، مدُّ زمانه، ولا يدين لك بهذا، أي لا قوة ولا طاقة، واليد العليا: المعطية المتعففة، واليد السفلى: السائلة أو المانعة، وضرب القاضي على يديه، أي حجزه ومنعه من التصرف، وسُقِطَ في يديه، أي ندم، ولقيته أول ذات يدين، أي أول شيء.

الوسط - جعفر الجمري

خمس أصابع في كل كف... خمسة انشغالات... لكل انشغال عقله الخاص وهيئة ما يريد... فيما الذي يراد تكوينه واحدٌ... واحدٌ فيه من العقول والانشغالات والرؤية والرؤيا الشيء الكثير.

ليست يداً... ليست أصابع... إنها الترجمان للعقل، والترجمان للحاجة، والترجمان لترتيب الحياة بشكل لائق.

في اللغة... مالكَ عليه يدٌ، أي ولاية، وأعطى بيده، أي انقاد واستلسم، ويدُ الطائر جناحه، ويد الدهر، مدُّ زمانه، ولا يدين لك بهذا، أي لا قوة ولا طاقة، واليد العليا: المعطية المتعففة، واليد السفلى: السائلة أو المانعة، وضرب القاضي على يديه، أي حجزه ومنعه من التصرف، وسُقِطَ في يديه، أي ندم، ولقيته أول ذات يدين، أي أول شيء.

حين تدمن اليد/الأصابع انشغالاً /اشتغالاً، ليس بالضرورة أن يكون العقل حاضراً لتفاصيل ذلك الانشغال والاشتغال... تراها تحفظ الدرس عن ظهر وبطن ممارسة... هي في حِل مؤقت من العقل وخفاراته ساعة تتقن ما هي بصدده... حتى العين مع وفرة الانشغال والاشتغال، تظل حاضرة ومُراقِبة، لكنها سرعان ما تنشغل عمّا تراه الى جهة أو شيء آخر.

لنتمعن في بعض مواطن الحركة والفاعلية التي تلعب فيها اليد دوراً كبيراً. فاليد والعين أول من يستقبلان المولود الجديد، وذات اليد تواريه. والحركة في عمومها لليد لا الساق... هنالك بدائل للساقين... الدراجة، السيارة، القطار، الطائرة، ومستقبلاً، المركبة الفضائية، لكن بدائل اليد نادرة، وإن حدثت فهي محاكاة لليد الأولى وببراعة لاشك أقل. قرارات الحروب توقعها يد، وقرارات الهدنة والسلام ورفع الحرب لأوزارها توقعها يد، ومفتاح الرصاصة، الصاروخ، القنبلة، يد... وتحويل القفر الى جنة تكتب فاتحته اليد... وتكتب بيد لتمحو بأخرى... واليد مايسترو لغة الجسد... والترجمان لذوي الاحتياجات الخاصة... حركة اليد ولغتها. ومدخلنا لحال من الأمن ولو ظاهرياً... اليد في المصافحة/ السلام... أداتنا الظاهرة لطلب الحاجة من الله هي اليد.

واليد مدخلٌ أول الى موقف به ومعه ينتظم إيقاع الحياة، ومن دونه يصبح ضرباً من نعي أو خوار.

«لئن بسطت إليَّ يدكَ لتقتلني ما أنا بباسط يديَ إليك لأقتلك إنّي أخاف الله رب العالمين» (المائدة: 28).

وهي العلامة الفارقة بين الفيض والحرمان والمنع. «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعدَ ملوماً محسوراً» (الإسراء: 29).

واليد حاضرةٌ وذات قدرة على توصيل المعجز والخارق للعادة. «واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى» (طه: 22).

وأقصى درجات الوعيد التي يلجأ اليها الجبارون والطغاة في التاريخ تبدأ باليد... وهو ما رصده القرآن الكريم وعلى لسان «نخبة» من الجبارين والطغاة. «لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم أجمعين» (الأعراف: 124). «فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم في جذوع النخل ولتعلمن أيّنا أشد عذاباً وأبقى» (طه: 71).

فيما هي دينامو التصيير والحركة... عن طريقها يبدأ تعمير الأرض... وعن طريقها يحصد الانسان ثمرة ذلك التعمير «ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون» (يس: 35). كان لابد مما تقدم... توطئة لمحاولة قراءة «أيادي بحرينية» من إصدار «الوراقون»... ومن إعداد ميساء الأنصاري ومحمد بوحسن .البوم يرصد اليد هذه المرة في حركتها واشتغالها... بل وحتى لغتها... أو ليست لليد لغة يمكن قراءتها؟ قراءتها بما تصيّره... أو بمعنى أدق، قراءتها وهي مشغولة بتصييره.

الألبوم عمد إلى أياد وهي منهمكة في الحرفة... وهي حرف يكاد جلّها أن تغرب شمسه، فيما البعض الآخر آذن بغروب ومنذ زمن طويل... وكل ما بقي منها بعض ما يدل عليها أو بعض من ثمرها.

ثمة أيد توقظ الخشب، والذهب، والشباك، والمعدن، والخيوط، والسعف من غفوته... ثمة يد/ أيد وهي على اليابسة تختبر الماء... ايد جللها العناء... توغلت في نقاء وطهر وعرق الممارسة... تكتب نص بقائها الأثير ونص بقاء آخرين... ايد لعبتها الأواصر. لاشك أن بعضها بلغ منها التعب مبلغه فيما بعضها يختبر رفاهيته... كل بطريقته الخاصة.

يد تهندس الخروج على اليابسة

يد كأنها تقتفي تعرجات الماء وسبله... ترصد الهاويات فيه... تراها مشغولة بترتيب ذهاب مفعم بالطمأنينة... تحدّث الخشب عن مسيرات... عن بشر موعودين بغنائم لا يطالها الا الراسخون في الماء... يتقنون صنع النفاذ من الوحوش وغضب لا يُرى. كل شيء مدين لليد... كل شيء لا فرق في السبل التي يبتغيها براً كان أو بحراً... أو توغلاً في إيوانات الفضاء.

يد توقظ المعدن

يد كأنها ترجُم المعدن كي يستوي... لا رجم يستوي مع الشيء الا رجْم/ الطرْق على المعدن البهيم... كي يحيا بهيئة رأتها اليد قبل أن تكون... كأنها تنفخ فيه الروح... ولا تزيد النار تلك اليد الا اعتدادا بموهبة التصيير... موهبة منح المغمور صفة امتداد الفضيحة... ولا يزيد الماء تلك اليد في قنوت التصيير الا قدرة على إطفاء انفعال ما تتسلح به اليد... فيما هي في الذروة من الطمأنينة... عين هي على العين... من لا يد له لا عين له في مشيئة التصيير وسبلها.

يد تحاور الذهب

يكفي أنهم حاوروه قبل الذين سيتخذونه جُنّةً من العوز... يمعنون في الصقل... لكأنه موقف مباهلة بين ذهب فكرتهم وبينه... يضربون بالخرائط والمخططات عرض وطول الحائط... يكفي أنه أصبح في مأوى يد لا تخرج منها الا الغبطة واختزال المسافات بين النبش ومأوى له على نحر أو يد.

يدٌ تحرض الشباك

في الامتياز من القدرة على توسيع أفق لفخاخ الماء... ولن تجد فاكهة البحر مستقرا لها الا بذهن ماكر يهندس الجهات الموصدة... ويحكم قبضته على الأفق... يدٌ تتحرك في الفسيح من المكر... ربما لأن الحاجة افسح من حلم... وكلما كانت الحاجة رحبة كلما كان المكر أرحب.

يدٌ تشبه الحفاوة

الِدلال برائحتها... حمامٌ زاجل يمعن في الدعوة... وقبل أن يهطل الضيوف... تحصي يدٌ ضيوفاً تمنت لو أنهم بكثرة الوابل... يستعير انحناءة... خصراً مجلّلاً بالحفاوة... ومغسولاً بالهال... أية يد تلك التي تملك سحر استدراج الغرباء والمنبوذين والتائهين وطارقي الليل من دون رمشة وجل؟

الرحى أجمل العذاب وأوله

يذكر قدماء المؤرخين أن نبي الله آدم بعد أن هبط الى الأرض... ظل يطحن الحَبَّ لأكثر من 400 عام وهو غارق في حال من بكاء الندم المر. 400 عام واليد لم تفارق ذلك المران الهائل والفادح... لم تفارق الرحى إلا لُماما... لكأنها العذاب الأول... ولكأنها أجمله... يد لا تخلو من تصور أنها تجوب الأفلاك والسديم... والأخاديد التي يتركها أثر الرحى تتفجّر ينابيع من رضا وطمأنينة، طالما أنها على مبعدة من كابوس العوز والفاقة والمخمصة.

استفزاز الحنّاء

لا شيء قادر على الاستفزاز الجميل مثل يد موشاة بالحنّاء... يد تشعل الأمكنة قبل القلوب... يد تترك مبصرها صريع رؤيته... وكلما عنّ له أن يُصرع استدعى ذات الهيئة والصورة... وهام في وادي العذاب... العذاب بحريّة هائلة.

يظل جانب مهم لعبه الألبوم يتحدد في رصده وارشفته لعدد من المهن وهو جزء لا يتجزأ من ثقافة أية أمة أو شعب من الشعوب، وتكشف تلك المهن عن جانب كبير لثقافة يبدو انها ستظل مغيبة او مسكوتاً عنها.

احتوى الألبوم رصدا لصناعة السفن، الغوص على اللؤلؤ، صيد الأسماك، الطبخ البحريني، صناعة الحلوى، صوغ الذهب، الخضّار، السقّاي، العمارة والزخرفة، الأزياء الشعبية، الحدادة، بائع السمك، الحنّاء، البخور، المسابيح والأحجار الكريمة، الخبّاز، البزّار، الحوّاج، النسيج، منتوجات النخلة، صناعة الدلال، الصناديق المبيتة، الطرب الشعبي، الصقّار، الإسكافي، الخيل العربية، الفخّار.

أيادي بحرينية « ألبوم صور»

إصدار: الوراقون

إعداد الالبوم: ميساء الأنصاري، محمد بوحسن





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً