مالي أرى ذاك المرض الذي كان متفشيا في الإدارات الحكومية فقط، قد وصل بل استشرى في إدارات ودهاليز القطاع الخاص بشكل مريع مخيف مرعب أكثر مما كان، فترى الأخ رجل الأعمال يتبجح ويتفاخر بالكم الهائل من الأجانب أصحاب الخبرات الفنية والتقنية والإدارية والحسابية، وما إن تعمل معهم وفي وسطهم حتى تكتشف كم هم فقراء مدقعون (غالبيتهم وليس كلهم) في خبراتهم وعلمهم مقارنة بالبحريني، بل إنهم نكرة على هذا المجال الذي وضعوا فيه، والأنكى من ذلك أن رجل الأعمال صاحبنا قد (توهق) ببعضهم ولكنهم موجودون على رقبته رغما عنه وهو الذي صرف الشيء والشويات حتى يستجلبهم و(ينصم) بهم!
وإذا حسبت بحسابات بسيطة كم من المال يكلف الأخ رجل الأعمال نظير التباهي والتبجح بوجود ثلة من هذه الهالة لديه في الشركة، فأخونا الموظف الاجنبي يتقاضى راتبا يعادل ضعف نظيره المواطن المسكين ولا تقل لي إن رواتبهم أقل... يا أخي «هذاك أول»، وعلاوة سكن ومواصلات علما بأنه يستخدم كل ما يشاء من سيارات وأجهزة ومعدات الشركة ويسكن في أحد بيوتات أو غرف الشركة، إضافة إلى المميزات الجانبية من تذاكر سفر له ولعائلته ولا ننسى علاوات أكل وحفلات وريوق وبطيخ.
ولكن نظيره المواطن (للأسف) لا يتقاضى إلا راتبه اليتيم مخصوما منه قيمة خمسة في المئة للتأمينات الاجتماعية (التي أعلنت شبه إفلاسها وعجز في الموازنة وفتح ملف تحقيق فساد إداري ومالي في البرلمان) ويستخدم سيارته الخاصة ويسكن في شقة للإيجار على حسابه الخاص ويستخدم تلفونه السمسم الخاص، ويوم يطلب الزيادة مثل الناس نظير سنوات الخدمة التي (ضيعها) قضاها في العمل في الشركة، يرى موظفا أجنبيا آخر جالساً بجانبه وتتم معاملته التطفيشية (للموظف المواطن المسكين) ومحاسبته على الرايحة والجاية تأكيدا على أنك (كمواطن) لست إلا عالة علينا في الشركة ووجودك ليس إلا رضخا لرفع نسبة البحرنة (توظيف البحرينيين) في الشركة لكي لا نخسر استصدار رخص العمل للأجانب من وزارة العمل!
ففي هذا الصدد تحضرني قصة مبكية مضحكة لن أنساها... هي قصة مستشار وزير ، ويدعى (...) الذي أفرد له سعادة الوزير جزءا من طرف مكتبه وغلفه بجدار محشو بمادة عازلة لكي لا يسمع أحدا وحتى السكرتيرات ما يدور من أسرار في اجتماعات مكتب الخبير وراح الخبير ورجع الخبير... والخبير في اجتماع مع سعادة الوزير، والخبير في عشاء عمل والخبير في حفل غداء، والخبير مسافر آخر العالم في مهمة سرية وخطيرة تخص الوزارة، ودارت الأيام ونسيت الخبير ونساني هو الآخر حتى أصادفه في يوم من الايام يتمخطر في أحد مكاتب السفريات بسوق المنامة وحين سألت الموظف في السفريات فاجأني بأن الأخ الذي خرج لتوه لم يكن إلا مندوب مبيعات في إحدى المطابع الصغيرة في البلد! حينها فقط تذكرت، بل عرفت، كيف اختار سعادة الوزير إياه الأخ سعادة الخبير هذا، ومن يومها ومع كثر الحوادث وأنا أرى أدلة وبراهين على عقدة الموظف الأجنبي التي تجتاح سوقنا... فهل من منقذ ينقذنا من هذا المرض؟!
ونلقاكم الاثنين القادم
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 810 - الثلثاء 23 نوفمبر 2004م الموافق 10 شوال 1425هـ