مناقشة التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية للعام 2003م في المجلس النيابي يعد أمراً طيباً يبشر بالتفاؤل الذي يمهد الطريق إلى ممارسة المجلس دوره الرقابي الشعبي حماية للمال العام وحسن إدارته، استكمالا للمهمتين الأساسيتين اللتين يضطلع بهما أي برلمان في العالم وهما: رقابة السلطة التنفيذية والتشريع.
تشير المعلومات المنشورة في الصحف المحلية (والعهدة على الناشر) إلى أن تقرير الديون «كشف عن حالات فساد في عدة هيئات رسمية، إضافة إلى الضعف الإداري والاستثماري، الأمر الذي أضاع فرصاً كبيرة على هذه الإدارات لتنمية مواردها المالية».
كما كشف التقرير أيضاً عن «مخالفات قانونية في تعامل هذه الإدارات مع الأموال»، وعن استغلال المواقع الإدارية للاستفادة الشخصية، بالإضافة إلى معلومات تفصيلية عن «الفساد السابق في بنك الإسكان».
وزودتنا هذه المعلومات «العمومية»، أن تقرير الديوان أورد «بعض الملاحظات على أداء بعض الإدارات، التي تبين مجموعة من الأخطاء والمخالفات لدى بعض الجهات الرسمية الخاضعة للرقابة، وقد تعامل معها الديوان بغية حلها».
كل ذلك أمر جيد ويستحق الثناء عوضاً عن كشفه بالتوثيق «حالات فساد» في الهيئات الرسمية، لكن التقرير لم يشر بسبابته على وجه المفسد، على رغم إقراره بوجود فساد ومخالفات قانونية وإدارية، واستغلال مواقع للاستفادة الشخصية، أي وقع التقرير في معادلة غير مفهومة؛ يقر من جهة بالفساد، ولكن من دون مفسدين من جهة أخرى، تماماً كما أن هناك إقراراً بوجود انتهاكات، ولكن من دون منتهكين!
من أبسط القواعد القانونية الناظمة للحقوق، هل يجوز أن نقر «بتوطين» فساد وكشفه، لكن من دون مفسدين؟!
نعرف أن اللص لا يسمى لصاً إلا بعد أن تقبض عليه الشرطة، ولكن ما لا نفهمه، كيف ديوان الرقابة الذي كشف حالات فساد في عدة هيئات حكومية، و«مخالفات قانونية في تعامل إدارات رسمية مع الأموال»، وعن استغلال المواقع الإدارية للاستفادة الشخصية، بالإضافة إلى معلومات تفصيلية عن «الفساد السابق في بنك الإسكان»، ولم يقدم أحد من هؤلاء إلى المحاكمة؟! وكيف يعقل بعد هذه «الاكتشافات الخطيرة» التي تبيّن مجموعة من الأخطاء والمخالفات والفساد الإداري والمالي لدى بعض الجهات الرسمية الخاضعة للرقابة، أن يكتفي التقرير بالقول: «وقد تعامل معها الديوان بغية حلها!».
عندنا في البحرين حقاً ظاهرة غريبة تتناغم ومصالح المفسدين: فإذا كنا نعترف بوجود هذا الفساد، ولا نسمي المفسدين لمحاسبتهم، ولا توجد آليات لذلك، وإن وجدت علينا تغيير الكثير من التشريعات التي تحميهم، أو التي استحدثت لحمايتهم وإبعادهم عن عيون الشرطة وقبضتها الحديد، فكيف نعرف المفسد من غيره إن لم تقبض عليه الشرطة أو تحاكمه محكمة، على رغم رصد هذه الانتهاكات وإبلاغ الرأي العام بها؟!
أدبياً، من حق المجلس النيابي أن يطالب بإلحاق ديوان الرقابة إلى اختصاصاته الرئيسية، وإلاّ فقد أهليته في الرقابة الشعبية والمحاسبة، ويدفع بالمفسدين إلى المحاكم حتى لا يفلت أحد من العقاب واسترجاع ما سرق ونهب من دون وجه حق.
وحتى في هذه الحال لا أظن أن عاقلاً في طول البلاد وعرضها يعترف بوجود فساد، ولكن لا يوجد مفسدون، وإنه لا يوجد فعل من دون فاعل، وحتى لا نتيه في التضليل، علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها كضمانة أكيدة لممارسة الحقوق وتعلم الشفافية وتطبيقاتها المفيدة للمجتمع، فالناس لم يعد عندهم «خيل يهدونها ولا مال» للمفسدين، الذين جففوا كل شيء وسرقوا الكحل من العيون
العدد 810 - الثلثاء 23 نوفمبر 2004م الموافق 10 شوال 1425هـ