فيما تتم التحضيرات لانعقاد مؤتمر دولي بشأن العراق، يتساءل العراقيون (العاديون) عن جدوى هذا المؤتمر، وماذا سيحقق لهم؟ وخصوصاً انهم يعرفون اكثر من غيرهم بان ثمة مؤتمرات كثيرة عقدت لأجلهم وبقيت كل قراراتها في اطار نظري، فلم تجلب لهم الأمن ولا الاستقرار، ولم تقصم ظهر الارهاب الذي اصبح تحدياً حقيقياً في العراق وصار يخّوف الجميع حتى الذين يعيشون خارج العراق، فكيف بمن يعيش في داخله؟
إن الوضع في العراق صعب الى درجة لا يمكن تأجيل أية مساهمة في انقاذ الوضع، فكيف اذا كان هناك مؤتمر مثل مؤتمر شرم الشيخ بهذا المستوى من الاهتمام الدولي والاقليمي؟
استطراداً، وعلى رغم ما يقال عن المؤتمر المزمع عقده في 22 و23 الجاري، فإن انعقاد مثل هذا المؤتمر في هذا الوقت يكون محل مراهنات كثيرة لدى الأطراف العراقية، وخصوصاً ان حضور المؤتمر لا يقتصر على جهات اقليمية فقط او جهات اميركية، بل سيكون هناك حضور دولي كثيف، الأمر الذي سيفتح امام المؤتمرين آفاقاً مفتوحة للحلول، ووضعاً مهيئاً لاتخاذ قرارات ربما تكون جادة هذه المرة.
ربما تجتمع كل الاطراف في هذه المرة على ان ترتيب وضع العراق أمنياً وسياسياً، لا يمكن تأجيله أو الاستهتار به إذ أصبح يفوق كل المصالح لأن مثل هذا الوضع لا يحقق أية مصلحة لأية جهة كانت، حتى المصلحة الاميركية أصبحت مهددة. وهذه المصلحة لاتتحقق في ظل هذه التطورات، فضلاً عن ان الجهود الدولية والعراقية ستذهب هدراً إذا لم تقم هذه الجهات بمسئولياتها تجاه العراق. لكن قبل ذلك فإن نجاح المؤتمر مرهون بإزالة العقبات التي تقف في طريق نجاحه، إذ إن أحد أهم العقبات التي ربما تقلق المؤتمر وتصبح عقبة امام نجاحه هي المواقف المسبقة التي تحملها الاطراف الاقليمية وربما الدولية ايضاً، إذ يبدو للعيان ان هناك أكثر من طرف يحضر المؤتمر وفي جعبته آمال لا تناسب أو تنسجم مع ما يتطلع إليه العراقيون، الأمر الذي يهدد نجاح المؤتمر ويساهم في خلق خلافات جديدة بين الحاضرين، وخصوصاً ان للعراق دستوراً مؤقتاً وحكومة انتقالية.
إن ما يحتاجه العراق هو ان تساهم هذه الاطراف في ايجاد آفاق للبدء في تحقيق الأمن، وذلك من خلال مساعدة دول الجوار والمجتمع الدولي. كما أن مما يهم العراقيين أيضاً مسألة خفض الديون، إذ ثمة من يرى أن نقاش هذا الأمر أهم من النقاش بشأن هوية العراق. ويعزو هؤلاء ذلك بالقول ان الوقت ليس هو الوقت الذي نتحدث فيه عن هوية العراق، فلا مجال إلى الشك في هوية العراق الذي يصر ان يبقى عضوا في الجامعة العربية وعضوا في منظمة المؤتمر الاسلامي، انما ما يهم العراقيين اليوم والوضع في العراق عموماً هو كيفية ايجاد اتفاق دولي ورؤية موحدة حول ترتيب وضع العراق انتخابيا ومستقبليا، بطريقة تنقذ العراق من التدخلات الاقليمية على انواعها.
والعقبة الثانية التي تقف حجر عثرة أمام نجاح المؤتمر وبالتالي ستحول دون نجاحه او تحقيق الهدف المرجو منه هي اذا لم يأخذ المؤتمر في الاعتبار كيفية تقدم العملية السياسية في العراق، كون تقدم العملية السياسية مرتبط بشكل مباشر بنقل محتوى ومضمون قانون ادارة الدولة العراقية المؤقتة أو كيفية نقله القانون المؤقت الى الطور العملي او تنفيذه ليصبح القانون فوق الجميع، وربما هذا يطمئن الجوار العراقي أيضاً لأن العراق الذي نعرفه من خلال الدستور الانتقالي ليس العراق الذي تتصوره دول الاقليم وحصراً تركيا، فالعراق القادم هو العراق الذي سيكون عراقاً واحداً موحداً، لكنه عراق فيدرالي يعيد الأكراد الى حضن الدولة ويكون عراقاً موزعة فيه المسئوليات، لا عراقاً تحكمه السلطة المركزية بشكل مفرط.
نستطيع القول ان نجاح المؤتمر مرهون بتفهم دول الجوار العراقي لواقع العراق الجديد، وان تبعد هذه الدول نفسها عن ما يريده العراقيون، كما يجب ان تترك هذه الدول العراقيين أنفسهم ليقرروا مصيرهم ويبنوا عراقهم ويحققوا طموحاتهم، لأن الدول تقوم على تحقيق رغبة الشعب لا بناءً على رغبة المحيط، والا فلا معنى للسيادة والسلطة والتعبير عن الارادة الشعبية هنا.
والحال ان هناك عدة اسئلة تطرح نفسها بقوة الآن عن نجاح المؤتمر، فهل سيساهم المؤتمر في إزالة المواقف المسبقة من قبل بعض الجهات الاقليمية ويضيق الفجوة بين العراقيين، بمعنى آخر: هل سيفتح المؤتمر الطريق امام العراقيين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم بعيداً عن التدخلات الخارجية (الاقليمية) أم لا؟ لأن ما تتطلبه المرحلة هو ان يتفهم الكل أن أحد أهم المشكلات التي يعاني منها العراق هي التدخلات الخارجية في شئونه الداخلية.
ثم هل باستطاعة المؤتمر الأخذ في الاعتبار المقررات الذي خرج بها اجتماع «دوكان» في كردستان العراق؟ إذ من الواقعية ان يستمع الحضور لما طلبه وتمناه العراقيون من المؤتمر وأخذه على محمل الجد.
والسؤال الثاني هو: هل بوسع المؤتمر ان يتخذ قراراً او موقفاً موحداً من عمليات الارهاب من تفجيرات واغتيالات واختطافات... الخ؟ وهل سيساهم المؤتمر في إزالة الغبن الذي تشعر به بعض الأطراف العراقية؟ وما مدى قدرة المؤتمر على تحويل عراق الفوضى والقتل والذبح، الى عراق الدولة التي لها حضورها الاقليمي والدولي، وترجع له عافيته وهيبته ومكانته؟
بقي القول ان مؤتمر «شرم الشيخ» سيساهم، سواء شئنا ام ابينا، في تشكيل الحوار السياسي بين الاطراف اذا ما تركت هذه الاطراف خلافاتها جانباً وتعاملت مع الوقائع لا مع التصورات والآمال. وسيساهم أيضاً في تشكيل الحوار السياسي بين العراقيين انفسهم، لكن ما لا يستطيع المؤتمر تشكيله هو المساهمة الجدية في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي يحقق تطلعات جميع أبنائه؟
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ