إن القيام بتغيير الأشكال التي تراها عين المشاهد على طبيعتها وتحويلها الى أشكال خيالية كان الأفق الذي تحرك من خلاله الفنان التكعيبي وحقق بذلك مفهومه للفن، حين أكد أن الرسم ما هو الا محاولة جادة من قبل الفنان لبناء هيكل صوري. لذلك لم تكن أعمال التكعيبين لتخرج عن هذا الإطار حين قام «براك» و«بيكاسو» بتجزئة الأشياء وإبرازها بشكل أكثر وضوحا ولكن ليس بالأساليب الطبيعية أو الواقعية.
وهنا وبعمل الفنان التكعيبي هذا كان اقترابه من مشارف الفن التجريدي حين استخدم الحروف المطبعية واستعمل الأوراق الملصقة كأوراق الصحف وأوراق الأغلفة من دون أن يغفل عن وضع إضافات لونية عليها وهو الأمر الذي كان ضروريا له ليتحول بخطوات محسوبة الى التكعيبية واكتشاف سحر الألوان وخصائصها. ذلك أن التكعيبيين ربما كانوا أكثر الفنانين زهدا في استعمال الألوان. فليس من الغريب أن تجد لوحاته تخلو من الأصباغ الا أقلها مع محافظته على ألا يعرقل هذا الأمر أعماله، فمع أن الفنان التكعيبي لم يستخدم سوى الألوان الرصاصية، البنية والصفراء الأوكرانية الا أنه كان ذكيا جدا في توظيف هذه الألوان لذلك عمد الى التدريج فيها. ومع ذلك فأنه وعلى رغم قلة الألوان المستخدمة في أعمال التكعيبيين فإن هذه الألوان كانت ذات أهمية كبيرة في تجارب اثنين من الرسامين، ففي الوقت الذي كان فيه براك وبيكاسو يرسمان بنسيج العنكبوت استعمل «فدلوني» الألوان الدافئة بينما كان للون الأحمر والأزرق أهميتهما في هندسة الشكل عند «ليجيه». ففدلوني وليجيه لم تقتصر أعمالهما على رسم الأشكال المتواضعة كما هو الحال في لوحات براك وبيكاسو وانما استلهما وجوه الحياة بكل تناقضاتها وسرعتها في لوحاتهما كلوحتي برج ايفل وعبور السكة.
والملاحظ على بقية التكعيبيين أمثال غريس، ماركوسيس وبيتوروتي والذين لم تنقطع علاقتهم بتجارب براك وبيكاسو أنهم ينظرون الى التكعيبية باعتبارها نظاما منضبطا وطريقة من طرق تبسيط الحياة واضفاء حياة جديدة على الأشياء وقد ترجموا هذه النظرة في الرسم، الملصق، الديكور المسرحي، النحت والعمارة
العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ