ليس هذا المكان في وارد التنظير، بل التساؤل المرّ عما يمكن أن تجنيه البؤر الطائفية من إثارة للموضوعات التي من شأنها أن تؤجج الأوضاع، ولا تصل إلى نتائج حاسمة، ولا تجلب معها إلا التوتر العالي التردد في المجتمع، حتى تجعل العيون لا تتلاقى والقلوب لا تتصافى، وكل كلمة تصدر من طرف لا تجد لها إلاّ أسوأ التفاسير لدى الطرف المقابل.

ففي واحدة من المجلات التي تنشرها جمعية دينية، تم نقل موضوع لكاتب ينتمي إلى غير هذا المجتمع، نقلاً حرفياً بكل ما فيه من تهجم على إحدى الطوائف الإسلامية والإساءة إليها في معتقدها... في الكويت أمس، جرت إحالة مجلة أخرى إلى النيابة العامة بحجة أنها تتجه إلى «تفتين» المجتمع بالنيل من ثوابت طائفة فيه، والمدحلة الطائفية تتدحرج لكي لا تبقي ولا تذر، وتهرس من ينتصب أمامها في محاولة إيقاف لهاثها، أو من يحاول تجنبها... إنها كالثقب الكوني الأسود الذي «يشفط» إليه كل من يقع في مداره، ولا شيء يمكنه مقاومة هذا الاستلاب.

في السنوات الأخيرة، يمكن بسهولة ملاحظة كيف تمكّنت النغمات الطائفية من حرف أناس يُظن فيهم الاعتدال، فأصبحوا منافحين عن مذاهبهم فقط، غير قابلين لتأسيس ثقافة التسامح أو السماح للآخرين بالعيش وذلك مع ما لهم من مكانة في المجتمع، ومن درجات علمية ودينية أحياناً يظن الظانّ أنها قد تقي العقل والنفس من التدحرج إلى هذه المهاوي، حتى ودّ بعضهم لو أن يقام «جدار عازل» بين الطائفتين حلاً لحال الاستنفار غير المبرّر، وغير المسوّغ بينهما لكي يرتاح كلٌ من الآخر.

تكفي فلتات اللسان، تكفي الممارسات العملية، ويكفي ما ينشر من أقذار في المنتديات ومواقع الحوار وعدد لا يستهان به من المواقع المناطقية، لرسم صورة شديدة القتامة لبحرين أخرى يجرى تأسيسها وفق «نحن» و«أنتم»، وعلى أساسها يتم قياس الأمور