بعيداً عن ديماغوجية الشعارات والنكهات الميكافيللية التي تدس مع قهوة الصباح في كل صباح لابد ان نعانق عين البحرين بكلمة. كانت البحرين بالنسبة إلينا أكبر من وطن... كانت كذلك على رغم سطوة القمع في المطار وفي السجون وعلى رغم القيد... كانت جميلة، وكان نخيلها في عيوننا أجمل من حدائق غرناطة، فكيف بها الآن إذ لا قيد ولا معتقل. بالأمس كنا نردد تراتيل مظفر النواب...

«سيدتي كيف يكون الإنسان شريفاً؟

وجهاز الأمن يمدّ يديه بكل مكان والقادم أخطر

نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط

ونخبك نخبك سيدتي لم يتلون منك سوى اللحم الفاني

فالبعض يبيع اليابس والأخضر»

تلك المرحلة الكئيبة من أيام حزن «هندرسونية» ولت بلا رجعة. وحري بنا ألا نتورط في اعادتها او ان نساعد على إنتاجها عندما نغلق كل آفاق الحوار، وعلينا ان نكون دقيقين في التعاطي مع مرحلة مليئة بالتعقيدات سواء كنا سلطة او مجتمعاً. لذلك اعتقد ان السلطة يجب ألا تفكر في قانون يصادر الحريات، لان القمع الماضي حوّل الناس الى طنجرة بخار، فجاء المشروع الاصلاحي، فالبخار نفسه والبخار المتبقي سيزول بضخ مزيد من الاموال للبنى التحتية. فالكهرباء مازالت تحرق شبابا في عمر الزهور بلا علاوة خطر وبلا امتيازات. والعشرات من العمال مهملون، ووزارة الكهرباء تضع في أذنها اليمنى طيناً وفي الأخرى عجيناً. كل يوم نسمع عن محطة تنفجر في وجوه هؤلاء الفقراء ولا أحد يسأل عنهم. قرانا البحرينية وبعض مدننا مازالت مهملة، صحيح أنها بدأت تنتعش قليلاً في هاتين السنتين ولكن الاعتناء الرسمي مازال متلكئاً... أبخرة الدخان هذه لا تزول إلا بترابط بين السلطة والمجتمع.

البرلمانيون لن يحققوا شيئاً اذا لم يجأروا ببرامج عملية ومشروعات واقعية حقوق الناس لا تفعل ولا يكتب لها النجاح بأصابع مرتجفة أو بأكف تحمر يومياً من التصفيق الرسمي على طريقة ما حدث في التأمينات والتقاعد.

دعونا نعرف شيئاً مقدساً ومفهوماً جميلاً نخاطب به السلطة والمجتمع، فالحرية هي أغلى ما يملكه الانسان بعد المعتقل.

صحيح ان استعمال الحرية كاستعمال المستحضرات والعقاقير الطبية لا يمكن ان يكون بغير مقاييس ومعايير وضوابط، وإلا انزلقنا في الفوضى وسقوط القانون، ولكن ما هو صحيح أيضاً أن قمع الحرية لا يحفظ الديمقراطية.

كلنا حزنًّا يوم أمس ولكن بعد ساعات عادت الفرحة الى قلوبنا جميعاً عندما علمنا بالعفو الملكي عن الأخ الخواجة وبقية المعتقلين. وهذا موقف جميل وكريم من جلالة الملك يستحق الشكر والتقدير. وكل املنا ان يتم فتح مركز البحرين لحقوق الانسان.

في المقابل أعتقد انه يجب علينا كمجتمع مدني أن ندخل في تفعيل الحرية وتحقيق الحقوق عبر المؤسسات القانونية من نقابات وصحافة وبرلمان وغيرها، لأنها المواقع المناسبة لإذابة الاحتقانات وتقطع الطريق على أية انفعالات قادمة.

في البحرين توجد عدة مواقع تعمل على زيادة الاحتقانات، منها: الصحافة التي تعمد في بعض مواقعها إلى اتهام المجتمع بكامله في اية اشكالية في الماضي أو الحاضر، وتقوم بتأليب السلطة على الناس على رغم انها تعلم ان الناس ليسوا كلهم على تفكير او توجه ثقافي او سياسي واحد، والسب اليومي لاي مجتمع هنا او هناك يعمل على زيادة الظواهر السياسية المخيفة.

في المجتمع ايضاً يحجم المثقفون المتوازنون عن إبداء آرائهم او ملاحظاتهم الوطنية تارة خوفاً من زعل السلطة وتارة خوفاً من ضغط الناس. اعتقد ان المثقف الوطني يجب ان يأخذ موقعه في المجتمع، وان يكون مشاركاً في صوغ الوعي ويشكل عقلية المجتمع. في السياسة ليست كل الطرق تؤدي إلى روما، هروبنا كقوى وطنية إلى الخلف ساعد على استحواذ المتنفذين على التوظيف بطريقة غير علمية بعيدة عن الصحافة كما حدث في التوظيف في البرلمان والشورى والنيابة العامة والمحكمة الدستورية وقس على ذلك. المسألة المهمة كيف نكون كمجتمع شركاء في قرص الدولة وبأساليب سلمية. الحديث في الشارع ليس كالحديث تحت قبة البرلمان والخطاب في المسجد يختلف ألف مرة عن الخطاب في الصحافة. القوانين تشرع والمشروعات تبنى والتوظيف قائم ونحن غائبون.

ما نطمح اليه صورة جميلة للبرلمان الديمقراطي وللقضاء العادل وللجامعة المزدهرة وللصحافة الحرة. البحريني يريد خبزاً وكرامة وذلك أمر يمكن تحقيقه بضبط الخطاب وصيانة المشروع وبعقول استراتيجية تجيد اللعبة السياسية، وكل ذلك مرهون بوجود مؤسسات فاعلة وبأشخاص واعين وبأفكار كبيرة واقعية، وفقدان اي عنصر كفيل بتعثر العربة