لكي نعرف أين نقف وتقف صحافتنا اليوم، ربما يصبح من المستحسن العروج على تجارب الأقارب والجيران، لنرى ما يفعلون ونفعل. تجربتان نستعرض قليلاً من خيوطهما اليوم، إحداهما على بعد أربعين دقيقة بالطائرة، والأخرى في أقصى الوطن العربي غرباً، ولنبدأ بالأبعد على ضفاف الأطلسي: التجربة المغربية.
فقد احتفى الإعلاميون المغاربة بيومهم الوطني قبل أيام، بإعلان لجنة التحكيم للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، أسماء الصحافيين الفائزين: جائزة أحسن تحقيق صحافي، وجائزة أحسن تحليل صحافي، وجائزة أحسن ريبورتاج، وجائزة أحسن صورة.
وزير الإعلام المغربي بن عبدالله الذي قدّم الجوائز قال بالمناسبة: «إن تاريخ الإعلام المغربي سيحتفظ بسنة 2004 كمحطة متميزة شهدت استكمال المنظومة القانونية بتحرير وتنظيم قطاع الاتصال السمعي البصري... ودعم الإنتاج الوطني والنهوض بالأوضاع المادية والمعنوية للعاملين في هذا القطاع». وأوضح أن أجندة العمل للعام المقبل تتضمن أموراً كبرى «من أبرزها إعادة النظر في قانون الصحافة والنشر بما يضمن تكريس الممارسة الصحافية الحرة والمسئولة والملتزمة بآداب المهنة وأخلاقياتها، وبما يسمح بتنظيم المهنة وتكريم المهنيين وتحصين مكانتهم الاعتبارية في المجتمع».
وإذا كنا سنضع هامشاً بسيطاً من التحفظ على هذا الكلام احتياطاً، فإن التجربة الأخرى تجري على بعد 40 دقيقة منا، إذ أعلنت مدينة دبي للإعلام عن جائزة «إبداع» لطلاّب الإعلام بعد أن استقطبت الجائزة عدداً ضخماً من المشاركات بلغ 2013 مشروعاً من مختلف أرجاء العالم، منذ إطلاقها في شهر أبريل/نيسان الماضي. واستطاعت الجائزة أن توجد لنفسها بعد ثلاثة أعوام، مكانة متميزة كمحفل تنافسي اقليمياً ودولياً. هذا ما يجري لدى الجيران والأشقاء، فماذا يجري لدينا اليوم في بحريننا الغالية؟
في البحرين قدّم قانونٌ «جميلٌ» و«بديعٌ» لتقييد أقلام الصحافيين، وتقليص الهامش المتاح لحرية التعبير عن الرأي، استغلالاً لأي ظرف طارئ للعودة إلى مرحلة «أمن الدولة» بكل سوءاتها وأخطائها وخطاياها، وبكل ما حفلت به من تجاوزات فاضحة لحقوق الانسان لا تشرّف أحداً يعيش على هذه الأرض.
هنا في البحرين من يروّج جهاراً نهاراً إلى تلك العودة المشؤومة استغلالاً لأي حادثة هنا أو هناك، كلما ظهرت مسيرة سلمية أو نُظّم اعتصام، بعضهم تحت لحاف الصحافة، وبعضهم تحت قبة البرلمان، يتداعون على هذه الدعوة المدانة بأقصى جهودهم، كما يتداعون لتمرير القانون السيء الآخر: «قانون التجمعات»، لتعيد إلى ذاكرتنا صور تلك المرحلة السوداء في تاريخ الوطن.
هنا في البحرين، محاولاتٌ حثيثة للتضييق علي الحريات بدعاوى مموهة، استعادةً لأمجاد سابقة، يوم كانت الإملاءات تفرض على الصحف كتابة النقطة والفاصلة وعلامات التعجب والاستفهام! وهي عقلية مقاولين لا تجيد غير الكنس والاكتساح على طريقة «البلدوزرات»، لو ترك لها المجال لقادت البلاد إلى الفوضى والانفلات الأمني.
نحن لا نطالب بجوائز ولا بيومٍ وطني للصحافيين، ولم تصل طموحاتنا إلى حد المطالبة بالنهوض بالأوضاع المادية والمعنوية للعاملين في هذا القطاع، ولم نطالب برعاية وزارة الاعلام، فقط نرجوها أن تتركنا نؤدي عملنا بمهنية وصدقية وإخلاص، دون تدخلٍ أو فرض وصايةٍ من أي نوعٍ غير سلطة الضمير ومراعاة مصلحة الوطن العليا، مع إعادة النظر في قانون الصحافة والنشر بما يضمن تكريس الممارسة الصحافية الحرة والملتزمة بآداب وأخلاقيات المهنة.
الأقارب والأشقاء يتنافسون في أجواء مفتوحة، ونحن نتراجع في مجال حرية الصحافة إلى المرتبة 143 بين 167 بلداً، وهذه هي آخر الانجازات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ