ربما يصحّ على العالم 2004 اطلاق مسمى «عام الاعلانات الديمقراطية»، ذلك لاننا سمعنا وتابعنا الكثير من الاعلانات الصادرة من مختلف الجهات عن ضرورة الاصلاح. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي صدر «إعلان صنعاء» عن الديمقراطية وحقوق الانسان والمحكمة الجنائية الدولية، واصبح هذا الاعلان جزءاً من «الضمير الدولي» لان الجميع اشتركوا فيه، من شرق وغرب، واميركان واوروبيين، وعرب وغير عرب. وفي يناير نفسه ايضاً صدر اعلان من الدوحة عن «الحوار الاسلامي - الاميركي» ودعا إلى الاصلاح والديمقراطية والحواربين الاميركان والمسلمين .
مكتبة الاسكندرية (المصرية) عقدت اجتماعاً كبيراً للمفكرين ومؤسسات المجتمع المدني (لكنها منعت الاسلاميين من الحضور)، وأعلنت برنامجاً للاصلاح والديمقراطية في مارس/ آذار الماضي. ورد الاخوان المسلمون (في مصر) ببيان موازٍ لبيان مكتبة الاسكندرية دعا ايضاً الى الاصلاح والديمقراطية. وفي الشهر ذاته صدر بيان عن منظمات اهلية عربية عدة اجتمعت في بيروت دعت فيه إلى الاصلاح.
الدول العربية ايضاً واكبت «الموضة»، فأصدرت الجامعة العربية بياناً بعد اجتماع تونس في مارس الماضي تؤكد فيه الاصلاح والديمقراطية من جانب، ولكن تمنع «التدخل» في شئون الدول بحجة نشر الديمقراطية.
أصحاب الاعمال العرب اجتمعوا في القاهرة في مايو/ أيار، واصدروا بياناً طالبوا فيه بالشفافية والديمقراطية والاصلاح وتحرير السوق.
وفي منتصف العام (يونيو / حزيران) اجتمعت الدول الصناعية الكبرى بحضور عدد من رؤساء بلدان دول المنطقة وأقر المجتمعون برنامجاً للاصلاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان نوعاً من الاتفاق الاميركي - الاوروبي الفريد من نوعه على نشر مبادئ «الاصلاح والديمقراطية» عن طريق ربطها بمتطلبات العلاقات مع دول المنطقة.
وفي يونيو أيضا صدر «بيان الدوحة» الذي تحدث عن ضرورة ربط التجارة الحرة بنشر الديمقراطية وحقوق الانسان.
لم يتوقف الزحف عند حد الاعلانات فحسب، بل إن الدول العربية سارعت إلى السماح بإنشاء جمعيات للدفاع عن حقوق الانسان. فقد أعلنت المملكة العربية السعودية السماح بتأسيس جمعية حقوقية، فيما كانت المملكة المغربية الاكثر جرأة بين الدول العربية عندما أنشأت لجنة لمحاسبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الانسان في الماضي، وبدأت بتسوية عدد من القضايا التي كانت تؤرق المغاربة وتلاحقهم كذكريات يودّون اسدال الستار عليها (ولكن بعد معالجتها). وفي سورية ايضاً تحركت جمعيات أهلية (غير رسمية) بصورة أكثر علنية... وبذلك فإن كل الدول العربية تقريباً شهدت تحركاً اهلياً أو رسمياً هذا العام، حتى لو كان بعضها للالتفاف على المطلب الاصلاحي.
إذاً، بدأت رياح التغيير تهب على بلداننا العربية بعد ان اختفت هذه الرياح فترة طويلة جداً. فبعد تحرير الكويت العام 1991 توقع المراقبون أن تبدأ رياح التغيير، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وانتظرنا حتى ندخل القرن الحادي والعشرين قبل ان تقتنع حكومات الدول العربية بأنه آن الأوان لمشاركة شعوبها في الحكم وفي توزيع الثروات الوطنية.
دعوات الاصلاح متشابهة في معظم الاحيان. وعلى رغم الاختلاف بينها في بعض التفاصيل هنا وهناك، فإن الواقع يقول إن مستقبلاً سيئاً جداً ينتظر كل الدول العربية ما لم تلحق بركب الاصلاح الذي وصل حتى أدغال افريقيا، وبدأ عدد من دول افريقيا السوداء يستقر بعد اصلاح اوضاعها وعدد منها ينمو بشكل افضل حتى من الدول النفطية العربية.
رياح الاصلاح تهب وستستمر شئنا أم أبينا، فعلينا أن نستفيد من هذا التحرك العالمي لنوحّد طاقاتنا ضمن النسق الذي اتبعته الدول الناجحة سياسياً واقتصادياً ... وهو نسق يتطلب أن نتحمل المطبّات التي تعترضنا في طريق الاصلاح
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ