العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ

الحبيب السالمي... سردية سيالة

مرة أخرى يطل الكاتب التونسي الحبيب السالمي في روايته «أسرار عبد الله» بسردية سيالة جذابة تحول المعقد في الحياة الى بساطة نفاذة، ربما كانت نادرة في الروايات العربية هذه الأيام.

وفي عمله الأخير هذا سمات برزت في نتاجه السابق خصوصاً في رواية «عشاق بيه» ومنها قدرته على جعل بعض يوميات الحياة المحدودة في عالم ريفي صغير، اطارا يتحرك ضمنه العالم الكبير بكثير من مشكلاته الأساسية وقد ارتدت ثوبا محليا يجمل إنسانيتها ولا يخفيها.

السالمي في قدرته على تحويل أمور باردة حينا أو قاسية حينا آخر إلى سرد يسيل دفئا... على خلاف كثير من الأعمال القصصية العربية الحالية التي تبدو كأنها تحول كثيرا من المشاعر و«الأوضاع البشرية» الى عمليات فكرية ذات صفات آلية... يعيد في هذا المجال تحديدا ربط روايته... على طابعها الخاص المميز... بسمات تذكر بنهج بعض أعمال نجيب محفوظ.

تتركز الرواية على شخصية رئيسية واحدة هي شخصية عبدالله الذي طلق زوجته «العكري» لأنها لم تنجب له صبيا وتزوج خديجة، وهي في عمر إحدى بناته فولدت له صبيا واحدا.

ثم تصبح مشكلة عبدالله مشكلة الخوف من الموت الذي يتصور أنه مقبل إليه في صورة عصابة من القتلة تغتال أمثاله. ويرتبط هاجس الموت بالشعور بفقدان أيام المجد الماضية وانصراف الناس عنه.

وصدرت الرواية عن «دار الآداب» في 262 صفحة متوسطة القطع.

تبدأ الرواية بخديجة ومتعة شرب الشاي التي حرمها عليها زوجها والتي تحولت لديها الى شبه طقس أو ممارسة سرية خوفا من قدوم الزوج عبدالله. وقد منعها عبدالله من شرب الشاي إذ كان يعتقد أن «المرأة الصالحة التي يعول عليها حقا لا يليق بها بتاتا أن تشرب الشاي وان تمضغ اللبان أو تضحك كثيرا أو تتكلم بصوت عال أمام الرجال. نمط تصرف المرأة وهي هنا خديجة في البيت يختصر بهذا القول «تدخل خديجة... لالتقاط أية إشارة تصدر عنه أو أي امر لتلبيته على الفور». كان يملأها فخرا أنه اختارها من بين كثيرات لتكون زوجته ولكنها «منذ الصغر تشعر أن كثيرا من الناس في الدوار يكنون له احتراما ممزوجا بقليل من الخوف حتى بعد أن أحيل على التقاعد ولم يعد يشتغل دركيا في حكومة الباي للقبض على اللصوص والمجرمين في الأرياف». كانت تجلس قريبة منه وهي في شبه حلم. وحين يمسك بيدها ويبتسم لها تعرف أنه لا يكون بهذه الرقة الا عندما «تبلغ شهوته ذروتها» فيقضي حاجته منها بسرعة. كانت تعرف ان لديه املاكا وعقودا وتسمع ما يشاع عن ظلمه للملاكين الذين اشترى أرضهم عندما كان دركيا. كانت الأرض عنده كل شيء فمن لا أرض له لا قيمة له.

بلغه خبر أزعجه وهو أن عصابة تهجم في قلب الليل على بيوت الأعيان والأغنياء وتقتلهم ذبحا وتمثل بجثثهم. وللتغلب على الخوف لم يكن أمامه الا بندقيته وأن يشغل نفسه بثلاث نساء هن زوجته وزوجته السابقة وثالثة خطبها ولم يقترن بها.

صار يخرج بندقيته القديمة المخبأة مع «الخرطوش» فيحس بأن «جزءا من هواجسه قد تلاشى وأن مجرد اخراج البندقية والخراطيش ولمسها قد منحه من التماسك والثقة والشجاعة ما يكفي لمواجهة خبر سيىء من هذا النوع». وعندما حل عيد الأضحى واستعد له بضيافاته السخية لم يكن راضيا كما في السابق، إذ إن زواره قلوا ولم يعد يقصده الا قليل من أفقر الناس. أخذ يشعر بأن من أسباب ذلك ادراك الناس انه سيقتل.

والسالمي فنان في نقل الأجواء وظلالها في وصف حي موح. ينقل مثلا بعض انطباعاته عن أيام الأعياد فيقول «ترى الكلاب أولا. هزيلة وسائبة. وللمرة الأولى تنتبه الى ان الكلاب تنبح أكثر في مثل هذه المناسبات. هرج العيد يهيجها. وتزداد نباحا وحركة عندما تنتشر في الفضاء رائحة الذبائح ثم رائحة اللحم المشوي والمطبوخ». ونجده في مجال آخر ينقل حالة من الطبيعة صارت في حالة قيلولة «سييستا» إذ يقول «تنظر خديجة بدورها الى الطريق. صمت الظهيرة بدأ يعم كل شيء حولها. لا حركة، ولا صوت سوى أزيز صراصير لا تدري أين تختبىء في مثل هذا الوقت الذي يشتد فيه الحر؟ «وخوفه من الموت جعله يسعى الى مصالحة زوجته السابقة». يقول لنفسه «من لي غيرك في هذه الدنيا الغدارة يا عكري». كانت الوحيدة التي يستطيع أن يخبرها عن خوفه وكأنها أم وهو طفلها.

وتزداد الأخبار تضاربا ويختلط الخوف بالشك والتساؤل وبمظهر من مظاهر التحدي كي لا يقال عنه انه خائف. يتساءل هل ابتعد الناس عنه لأنه سيقتل أم شفقة عليه





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً