يبدو أن قضية الخادمة الإندونيسية التي تناولتها «الوسط» قبل نحو أسبوع، أثارت حفيظة جملة من المواطنين لتفجر معها قضايا أخرى تحوم حول المضمون نفسه، وإن اختلفت الشخصيات التي تمثل دور البطولة في قصص الدعارة التي أصبحت أشهر من نار على علم بحسب وصف غالبية من اتصل بالصحيفة ممتعضاً مما يسمع ويقرأ ويرى.
في السابق كنا غالباً ما نرمي بالحمل والجريمة كلها على عاتق تلك الجالية الغريبة عن ديارنا وعاداتنا وتقاليدنا ولكننا اضطررنا إلى جلبها لتخدمنا وترعى بيوتنا وأبناءنا فترة غيابنا عنها وعنهم سواء في العمل أو أي مكان آخر، حتى سمحنا لهذه الجالية باحتلال مراكزنا في بيوتنا ونحن غرّبنا أنفسنا برضا منا أو على رغم أنوفنا، ولكن مع مرور الوقت، ومما نسمعه الآن من حكايا وقصص أرى أننا تبادلنا الأدوار مع تلك الجالية حتى أصبحت هي الضحية المجني عليها وما نحن إلا جناة مجرمون مغتصبون للأعراض ونجد في تلك الجالية فريسة دسمة لنا وفي الوقت نفسه سهلة الصيد كونها لا حول لها ولا قوة في مجتمع نمثل نحن مصدر القوة فيه لكون الأرض أرضنا ونحن نحمل أوراق الانتماء إليها ومن جهات رسمية معترف بها!
قصة الإندونيسية تلك جذبت تعاطف كثير من المواطنين حتى شكلوا ما يشبه حلبة دفاع عن تلك الخادمة وخصوصاً أنها قاصر لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر، بحسب ما ذكر. وزاد من ثورة القراء ما نشر عن الخادمة البنغلاديشية التي اغتصبها مخدوموها مرتين خلال 48 ساعة من وصولها البحرين. قضيتان نشرتا في أسبوع واحد وما يتناقل إلى الآذان حوادث تفوق في بشاعتها ما نشر بكثير وتحدث يومياً وفي مناطق مختلفة وبشخوص متنوعة في الجنس والجنسية والمراكز والمناصب، ولكن المستغرب أن ما من أحد التفت إليها، وبالأصح فإنه تجاهل وجودها وانتشارها في مجتمعنا وبقينا نتغنى ببلد الأمان ومهد الحضارات التي خلفت لنا آباء متمسكين بدينهم ولهم من المبادئ السامية التي لا يحيدون عنها أبداً ما يجعلهم في حصن من أي زلل أو خطيئة!
حوادث الاغتصاب تلك جعلت كثيراً من الآباء يحبسون بناتهم في زنزانات بيوتهم خوفاً عليهن من التعرض لأي حادث من تلك الحوادث التي يقرأون عنها ويسمعون بها، بل ويشاهدون بعض وقائعها على شاشات بعض الفضائيات التلفزيونية. وهنا نسترجع زمناً ما كنا أبداً لنهاب فيه الخروج وفي أي وقت، وإن غاب عائلنا وحامينا، ففي قلوب الآخرين نزعة من الغيرة على ابنة القرية أو البلد أو حتى على بنت غريبة ما كان أخوها ليسمح بأن يدنس عرضها أي ذئب بشري؛ ففي البال يحوم الرادع بـ «أن الدوائر تدور» وما على صاحبك اليوم قد يكون عليك غداً. أما اليوم ومما نسمع بتنا نشكك في كل من حولنا حتى آبائنا وإخوتنا وأصدقائنا وكأننا نعيش في غابة كلها وحوش لا تميز بين قريب وبعيد صديق وعدو فالكل مأكول مأكول!
هي تجارة قد تدر أرباحاً طائلة، وهي شهوات حيوانية هم صاحبها أن يفرغها، ولكن كيف وفي من فهذا لا يهم، وهي تحوي فئات وأجناساً لا تمييز فيها بين غني وفقير، ابن الأكابر أو ولد الخادمة... وفي ظل ذلك نبقى نبحث عن أسباب نشوء هذه المشكلة في مجتمع ما كان ليسمع بها إلا في الأفلام ويظل حائراً في تصديقها أو تكذيبها لأنه - باختصار - لم يشهد لها مثيلاً في مجتمعه... ومع مرور الوقت سمع بها ثم شاهدها ثم شهد تفاقمها وانتشارها بشكل ما كان لعقله أن يتخيل أن بالإمكان حدوثه في يوم من الأيام... وأين؟ في بلد الأمن والأمان!
وبالبحث عن الأسباب التي نأمل ألا يكون الفقر شماعتها - وإن كان يعد سبباً رئيسياً - وإلا ستكون الكارثة في مجتمع ثلث أهله تحت خط الفقر أو على أبوابه، نظل نبحث أيضاً عن الرادع غير الديني الذي من الممكن أن يصوننا... وفي الوقت نفسه نبحث عن المقتص لحقوقنا ممن سلبونا نعمة الأمان وحولوا بلدنا إلى مرتع للفساد والدعارة، وفي ظل مطالبتنا بجزء من الأمان المفقود لا ننسَ أولئك الوافدين الذين كان من المفترض أن يجدوا بيننا من يحميهم ويصونهم كونهم أمانة في أعناقنا أو ضيوفاً علينا ويجب إكرامهم فما وجدوا غير الذل والمهانة وفوق ذلك هتك عرضهم، فبأي وجه سنخرج للعالم؟ وبأية صورة سنوصف في الأمصار إن لم نبادر وفي حركة سريعة إلى احتواء القضية قبل أن تفوح رائحة المخبَّأ خلف الجدران لتضاف إلى ما فاح الآن من روائح نتنة وعفنة؟ إذ عند ذلك لا شك أننا سنواجه طاعونا من نوع آخر ربما يضمنا إلى دول الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ
