تمتلئ المجالس... وأعني بها هنا المجالس الأسبوعية العادية في الفرجان والبيوت (وليس مجلس النواب طبعا فهو بعيد عما يدور بالشارع) بالرواد... بل الرواد الذي صار متعارف عليهم النقاش... وطرح الاسئلة والتساؤلات التي تدور في الشارع من إشاعات وحقائق، وهذه الحال هي حال صحية جدا بل طبيعية... وهي طريقة ناجحة في نشر الثقافة الصريحة والمباشرة أياً كانت سواء الدينية أو السياسية أو حتى الجنسية! التي لن تراها في جميع أجهزتنا الاعلامية المرئية والمسموعة وبعض المكتوبة.
ولكن مجموعة كبيرة من هذه الفئة غريبة عجيبة... هم عبارة عن تركيبة خاصة من الناس تميل ميلاً مفرطاً في حب وشغف النقاش... بل لديهم أساليبهم في تحميس ورفع درجة حرارة هذا النقاش أياً كان... وأياً كانت موضوعاته وتفرعاته... والمشكلة أنهم أقل الناس استفادة في النهاية، لأنهم وببساطة ظلوا مشغولين بديكور النقاش وشكله الخارجي ومظهره للتباهي به فيما بعد وغفلوا عن فحوى الأفكار التي تم الحديث عنها، حتى أني أخال أن صاحب المجلس يعطيهم رواتب أو هناك حساب تحت الطاولة نظير هذه الخدمة من إضفاء هذا الجو في المجلس!
ومن هنا تأتي المشكلة... لأن هؤلاء الثلة من الأفراد الذين يقومون بهذا الدور هم المتسبب الرئيسي في تسطيح مستوى هذه المجالس ومنها مستوى رواد هذه المجالس التي يقصدونها ويداومون على زيارتها وما يدور فيها من مستوى في النقاش، لأنهم وببساطة هم من ينشرون هذا المستوى من النقاش مهما علا أو نزل مستواه... وهم المسيطرون على ثقافة المجالس ومن يقومون بنشر التسطيح في الأفكار بطريقتهم مهما كانوا حماسيين... لأن حماسهم مصطنع يمارسونه في كل مجلس يزورونه، فهم إذاً ممثلون أكثر منهم متحدثين!
فهل هذا هو دور المجالس في الفرجان... وهل هذا هو التطور الذي تحولت إليه المجالس بعدما كانت تناقش وتُحل فيها قضايا عدة تهم أفراد الفريج... أم هي أحد إفرازات السياسة التي جعلتنا كلنا منّظرين ومحللين فيها، مطبقين المقولة «وتعددت المجالس والهم واحد»!
ولكن أتعرفون أن للمجالس فوائد أخرى... فإذا أردت أن تصل... فما عليك إلا أن تواصل وتكثف الزيارات للمسئولين أصحاب القرار أو المؤثرين المباشرين على أصحاب القرار... وهي الوسيلة المثلى لتظهر في الصورة، واعلم أن الوصول الى الهدف صعب... ولكن عن طريق زيارات هذه المجالس تصبح المهمة أسهل بكثير مما تتصور... كونك شخصاً تعرف أن لا للكفاءة من مكان... وتؤمن بأن الرجل المناسب ليس من الشرط أن يكون في المكان المناسب... بل والأهم أن تكون مؤمن بأن أقصر الطرق هو الخط الأعوج! فوصولك إلى الهدف بسيط حتى وإن طال زمنه «اشوي»! حيث تتخلل هذه المدة الزمنية الكثير من الاختبارات في الصبر، كما تتخللها كذلك جملة من امتحانات الذل والمهانة والتسلق، لأن وجودك في المنصب المطلوب يتطلب منك تطبيق الكثير من تلك الامتحانات التي من المفروض أنك اجتزتها بنجاح باهر على رغم صعوبتها على الكثير من الناس لربما تبدأهم بالأقرب والأقرب... وإلا فما عليك إلا أن تستذكر المثل القائل «صخنا الماي... وطار الديك»؟!
يتجدد لقاؤنا بكم.. الاربعاء القادم
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 808 - الأحد 21 نوفمبر 2004م الموافق 08 شوال 1425هـ