كم يقف الواحد منا مشدوهاً أمام منظر المئات من البحرينيين يحتشدون في مسيرة مناهضة لأعمال العنف والمجازر الوحشية التي يرتكبها الأميركيون المحتلون في حق إخوتنا في العراق!... تراهم فلا تمتلك إلا أن تقول «مازالت الدنيا بخير»... «مازالت الفزعة لنصرة الإخوة موجودة فينا ولم تنتفِ من قلوبنا»... «مازال في دواخلنا مجال للغليان والثورة على كل من تسول له نفسه تدنيس مقدساتنا أو المساس بأرض نعدها أرضنا لما يربطنا بها وبأهلها من مشاعر، جزء منها ديني والآخر عروبي وأخوي».
قد يسأل البعض: ما الفائدة من تلك المسيرات، فهي لن تقدم ولن تؤخر... وما نفع الكلام من بعيد والأرض تدوسها الدبابات وتخترق أجساد أهلها الرصاصات وتهد بيوتها القنابل؟! وقد ينظر إليها البعض على أنها مجال وفرصة لمن يمتلك ملكة حب الظهور ليخرج إبداعاته في تلك المسيرات ويقول «ها أنذا فانظروا إلي»... والبعض قد يجدها مجرد شعارات رنانة يرددها كل من أراد أن يختبر قوة صوته وصداه أو ملكة التأليف الأدبي عنده... وقد يكون كل ذلك في جانب من الجوانب صحيحاً، ولكن من ينظر إلى بعض الوجوه المحتشدة بالغضب والثورة وقبضة يد بعضهم وهي ترتفع مضغوطة الأصابع بكل قوة حتى يكاد الدم أن يسيل منها يلمس مدى التفاعل والترابط الإنساني بين شعبين شقيقين يجمعهما الدين والعروبة وشيء من الإنسانية التي ظننا لوهلة أنها فقدت من قلوب البشر ولم يعد هناك مجال في الصدور إلا لكلمة «أنا»!
تلك المشاعر الأخوية والنخوة الإنسانية والغيرة على الدين والأوطان ربما كانت الدافع الأساسي وراء جمع 75 ألف دينار بحريني جمعتها جمعية التربية الإسلامية لتتوجه بها إلى العراق لمساعدة ودعم إخوة من إخوة عجزوا عن أن يكونوا معهم على أرض المعركة ولكنهم أبوا إلا نجدتهم ولو بأضعف الإيمان!
ولكن ما لفت نظري - وأرجو ألا يؤخذ الكلام بمقصد آخر غير المبيت في النية والله العالم به - خبران في الصحيفة يوم أمس، أحدهما هو خبر الـ 75 ألف دينار المتوجهة إلى العراق وإدانة الوحشية الأميركية البهيمية كما وصفت، والآخر وفي الأعلى من الخبر الأول عنوان «مشاهد الفقر المؤلمة تزحف إلى الريف والعاصمة»!... وهنا لن أقول إننا أولى بهذه الدنانير لننشل أنفسنا من براثن الفقر والعوز... أو إننا يطبق علينا المثل القائل «عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب» فنكون الشاهد والدليل على صدقه... وإنما مجرد أسئلة خطرت في الذهن: أيننا من الفقراء المختفين في جحور لا يمكن أن تجدها مأوى ومسكناً إلا الفئران؟ أيننا عنهم طوال العام وهم يتوسلون اللقمة وكسرة الخبز وقطرة حليب لأطفالهم؟ أيننا عنهم في شهر رمضان الماضي وهم يفطرون على «ثريد الخبز والماء» هذا إن وجدوه أصلاً؟! أيننا من الذين اتخذوا من الأسرة البيضاء دارا حلموا وتوسلوا بنا أن ننئيهم عنها، أن نرفعهم من أسرة الموت إلى حيث الأحلام الوردية بطفل يكبر وينمو ونراه رافعا راية الوطن فيفخر به كما يفخر به أهله؟
العراق تأكله الدبابات وتجد في أهله ذخيرة ومصدراً للطاقة والوقود، وشعب العراق جفت دموعهم كما ريقهم وسلبت منهم الدار والعزة والكرامة والضنى، وأولها الأمان ولكنهم وجدوا فينا وفي غيرنا إخوة ننجدهم ولو بأضعف الإيمان كما قلنا... ونحن أكلنا الفقر وسلبت الرطوبة وعوامل الدهر زهوة بيوتنا وأحالتها إلى بيوت للأشباح الوالج إليها عليه أن يقرأ المعوذتين وينطق بالشهادتين إذ قد يكون الولوج الأخير الذي ليس بعده رجوع، وأجسادنا باتت طعاما للحشرات والقوارض بل وللسأم والمرض، وعقولنا عفنت من تخميرها في البيوت لسنوات وسنوات من دون إعمال وتطبيق لما سنحت لنا دراسته في المدرسة أو حتى الجامعة التي اقتحمناها عنوة بمقاومتنا لواقعنا المرير... تمردنا، طالبنا، رفعنا الشعارات، طلعنا في مسيرات، وأضربنا عن الطعام ولكن لم يستجب لنا أحد ولم نجد إخوة يسعفونا ولو بأضعف الإيمان لا من قريب ولا من بعيد! ولو رجعنا إلى الحق فنحن الاثنين (شعب العراق وشعب البحرين) مافتئنا نبحث عن الأمان في الأوطان وهو كنز مفقود
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 807 - السبت 20 نوفمبر 2004م الموافق 07 شوال 1425هـ