أحسب أنني كنت أول من وصلته هذه الرسالة، وأحسب أنني من القلائل الذين سمعوها مباشرة من مرسلها. وأحسب أنني استمتعت مرتين؛ مرة بسماعها ومرة عند قراءتها... هذه هي الرسالة الثانية التي اقرأها للشيخ خليفة بن حمد فقد كانت رسالته الأولى للإمام الحسين والثانية لوالده الإمام علي (رضي الله عنه)... أدب الرسائل فن عرفه العرب ولكن فن رسائل الشيخ خليفة مختلف جداً عن ذلك الفن المألوف في آداب العرب، ولست هنا بصدد الحديث عن فن البلاغة الرفيع الذي يتمتع به الشيخ والذي بدا واضحاً في هذه الرسالة وفي سابقتها ولست بصدد الحديث عن مكانة المرسل إليه وعظمته فالكل يعرف هذه المكانة، والكل يتقرب إلى الله بحب أصحابها... لكن الشيء الذي لفت نظري واستوقفني طويلاً هو المغزى الخاص الذي أحسب أن كاتب الرسالة أراد ايصاله لعموم الأمة وفي كل مكان يعيشون فيه، وأحسب أن فقه الرسالة هو الذي يجب أن يلتفت إليه كل قارئ لها... الشيخ خليفة وبعد أن تحدث عن بعض صفات الإمام علي (رضي الله عنه) وقف يتأمل حادثة خروجه إلى العراق وجهاده هنا وهناك هذا الجهاد الذي أوقف حياته عليه والذي انتهى باستشهاده (عليه السلام)... ماذا كان يريد الإمام من هذا العمل؟ هل كان يبحث عن جاه أو مجد أو مال وتأتي الإجابة واضحة في ثنايا الرسالة الرائعة؛ إنه كان يسعى لتوحيد الأمة وجمع شتاتها واعلاء راية الإسلام وفي هذا السبيل كان سهلاً عليه أن يقدم حياته وان يدفع الثمن الذي يوازي ذلك الهدف النبيل الذي كان يسعى إليه والذي كان يتوقع أن ينال الشهادة بسببه، فعلها علي (رضي الله عنه) وانتقل إلى جوار ربه في الجنات العلى راضياً مرضياً فهل انتهى دوره بهذا العمل وبتلك النهاية السعيدة التي يتمناها كل مسلم؟ يقف الشيخ هنا وقفة رائعة ويقول مخاطباً أمير المؤمنين «خرجت والشهادة مكتوبة على جبينك وجوار الرفيق الأعلى أمل في فؤادك فكنت بذلك مثلاً لكل داعية للحق على مر الزمان، وقدرة لكل عامل في سبيل وحدة أمته في كل مكان» وكأني بالشيخ - وفقه الله - اراد أن يخاطب بهذه الكلمات الرائعة كل مسلم على وجه الأرض ولاسيما أنه يرى كيف أن بلاد المسلمين أصبحت نهباً للغزاة والمفسدين والداعين إلى فرقة الأمة وتنافرها... أعداء في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين يقتلون أمتنا ويذلون أبناءنا ويستولون على خيراتنا. وجهلة من المسلمين ينتشرون في كل مكان همهم العمل على اضعاف الصف المسلم وبث روح الشقاق بذرائع تافهة وهم بهذه الأعمال لا يختلفون كثيراً عن الغزاة، فالنتيجة في النهاية واحدة وهي ضعف الأمة وتنافرها وتفرقها ويوم أن تصل الأمة إلى هذا المستوى يومها يسهل اخضاعها والاستيلاء عليها... إذن وحدة الأمة هدف نبيل يجب أن يسعى إليه كل مسلم وهذا ما فعله الإمام وهذا ما اراد ايضاحه الشيخ... ومن فقه الرسالة كذلك ان الإمام علي (رضي الله عنه) ليس وقفاً على فئة من المسلمين دون الأخرى، ومن الاساءة لهذا الرجل العظيم أن يحشره البعض في زاوية ضيقة فالإمام بأعماله العظيمة اتجه لكل المسلمين ومن واجب المسلمين كلهم الاستفادة منه والاقتداء بأفعاله والسير على نهجه ولاسيما أننا نمر الآن بأزمات طاحنة تستحق البحث عن قدوة نتجه إليه لنخرج من مأزقنا الذي يكاد أن يخنقنا. الشيخ في فقه رسالته كان واضحاً في هذه النقطة، فالإمام حق لكل مسلم ومن هنا تصدى للكتابة عنه، وكانت عواطفه جياشة صادقة ومن هنا جاءت عباراته في قمة البلاغة والبيان وجاءت معانيه جميلة آسرة مقنعة... العظماء يستحقون من يكتب عنهم والأمة العظيمة هي التي تقتدي بعظمائها وتحترمهم. وفي أمتنا عظماء كثر، بل هي الأمة التي لم تخل من عظماء في كل ادوار تاريخها... ولكن هؤلاء العظماء يستحقون أمثالهم ليكتبوا عنهم وأحسب أن كاتبنا كان واحداً من هؤلاء... الشيء الذي أتمناه أن نستفيد مما فعله عظماؤنا وأن نقتدي بهم وأن يكون هدفنا وحدة أمتنا والعمل على إعلاء شأنها. فهل نفعل ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 807 - السبت 20 نوفمبر 2004م الموافق 07 شوال 1425هـ