العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

النفخ في القرب!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

من منا يجرؤ على الكلام في السياسة؟... سؤال لو طرحناه على جمع من الناس لا أشك أبدا أن جلهم سينفرون حتى من محاولة الإجابة عليه، هذا إن لم يتخذوا حجرا سريا في منازلهم يختبئون فيه إلى حين يسكن هذا السؤال سراديب النسيان ويطوي صفحته الزمن!... والحال هذه هي التي تدفعنا إلى سؤال آخر مضمونه يدور حول معنى السياسة أصلا، ما الذي ترمز إليه كمصطلح أو ما الجذور التي تنتمي إليها الكلمة أصلا؟

السياسة في اللغة مصدرها ساس، بمعنى استصلاح الناس بإرشادهم إلى ما فيه مصلحتهم. أو هي النهج المتبع في تدبير مرفق من مرافق الحياة العامة. والسياسي هو المنسوب إلى السياسة. والاقتصاد السياسي علم يعالج الثروات العامة وفن إدارة الأحكام. و«الحقوق السياسية»: حقوق كل مواطن في أن يشترك في إدارة بلاده أو ممارسة أعماله الوطنية كالانتخاب وغيره.

ولو سلمنا بأن السياسة هي نهج أساسا فلكل منا نهج في الحياة يتبناه ولا يحيد عنه أبدا... إذا نحن كلنا سياسيون!... سياسيون في أفكارنا، عقولنا، طريقة إعدادنا لطعامنا، أسلوب أكلنا وشربنا، طريقة مشينا، عملنا، تدبيرنا لأمورنا... سياسيون حتى في اختيارنا لأصدقائنا وأماكن تزاورنا... نحن سياسيون في كل خطوة نخطوها!... إذا ما الذي جعلنا نهاب الكلمة ونصنف نفرا من الناس على أنهم سياسيون ونحاول تجنبهم لكي نبعد عن أنفسنا وجع الدماغ أو الوقوع فيما لا تحمد عقباه، وأهمها غياهب السجون أو النفي عن الأوطان... ما الذي يجعلنا نلجأ إلى كل تلك الحيل والكلمة متأصلة أساسا في كل شخص منا... كبيرنا وصغيرنا... رجلنا ومرأتنا؟!

مصدر الكلام مكالمات تلقيتها من قراء أفاضل، وتحديدا هي خمس مكالمات لأشخاص مختلفين أجهل حتى أسماءهم وكلها تطالبني بأن أحيل هذه الزاوية من صفحة «كشكول» إلى صفحة أخرى تتناسب مع ما تتضمنه من طرح في «أمور سياسية» تهم البلاد والعباد!... المكالمات تلك بقدر ما أسعدتني للباقة أصحابها وإحساسهم إياي بأن ما أكتب يجد متسعا للقراءة ولو عند نفر قليل، بل ويحوز على إعجابهم واهتمامهم، وهو هدف بلا شك يسعى إلى تحقيقه «أقلها كاتب في أية صحيفة»... أقول بقدر ما أسعدتني جعلتني أحتار في أمري، هل فعلا كتبت في السياسة؟... كيف وأنا مازلت في أول السلم والوصول إلى الكتابة في هذا المجرى باعتقادي أنه يتطلب كاتبا متمرسا وباحثا مطلعا في الأمور المحلية والدولية والقانونية ويلم بكل صغيرة وكبيرة في الحياة... وأهمها لديه روح المغامرة للخوض في غمار بحر أمواجه غالبا ما تأتي على أرواح من يحاول ولو مداعبتها؟!

حينها حاولت الرجوع إلى جملة مما كتبت على مدار شهرين ونصف تقريبا، لكي أحصد ما يمكن أن يقال عنه إنه (مقال سياسي)، فما وجدت إلا كما من الهموم يضج بها المجتمع حاولت نثرها في سطور، وسلوكيات وجدتها خاطئة أو عادات بالية أو قيما افتقدناها فبثثتها في كلمات قد تشكل خاطرة أكثر منها نقدا لما يجب أو لا يجب أن يكون، أو نقلا لمشاعر مواطن يرى اللقمة سائغة في أفواه أناس لا يستحقونها في حين منعت عن الوصول إلى فمه هو وأمثاله كونهم يقبعون في الدرك الأسفل!... بالمختصر هي جملة هموم ومطالبات (إن لم تكن استجداء) نفر ليس بقليل من الناس قد يشكلون الغالبية العظمى من المجتمع، وكوني أكثر احتكاكا بهم عبر «كشكول» بالذات أجد لا مفر من طرحها في الصفحة كلها ومنها هذه الزاوية... إذن هي رسائل غالبية مسحوقة في المجتمع لم أقم أنا بأكثر من «أسلبتها» وزخرفتها ببضع كلمات ورصها في هيئة عمود في صحيفة محلية يومية!

وحينها فقط أدركت أن الهم يشكل أكبر سياسة وطارحه أكبر سياسي... والمطالبة بالحقوق المشروعة وبالتخفيف من وطأة ما يتكبده ثلثي الشعب من عناء هي النهج الأساسي لسياسة الهم المتبناة ممن لا يخلون من الهموم!... ومن منا لا يحمل هما... إذا كلنا سياسيون، ولكن الفرق بيننا وبين من نهابهم لكونهم سياسيين بالمعنى الآخر للسياسة هو أنهم يسعون إلى تغيير الكون بحسب ما يشتهون ويكرسون أصواتهم وأحبارهم وحركاتهم البهلوانية في سبيل الوصول إلى ما يبغون ولذلك فهم يواجهون دائما بالصد من الطرف المعارض لآرائهم والغلبة للأقوى... أما نحن فهمومنا تشكل الهاجس الأكبر لنا ونحن نسعى إلى التخلص منها عبر بثها في أسطر عبر صفحات الصحف وقد نلقيها على عاتق من هم أكبر منا ونظل نحن متوارين عن الأنظار نوصل نداءاتنا عبر أسماء مستعارة مهابة أن نقع في فخ سياسيين أكبر منا!...

كلنا سياسيون... شئنا أم أبينا... اختلفنا في النهج والأسلوب ومصدر القلق والخوف... ولكنا جميعا اتفقنا على شيء واحد لم يتمكن أي منا لا بأقواله ولا أفعاله ولا بحيله ودهائه أن يغيره أو يحوله إلى شيء آخر نختلف فيه... لا داعي للتفكير فكلنا نلف وندور ثم نرجع إلى محور الدوران الأول حيث نهدأ ونستكين بعد عناء «النفخ في القرب المثقوبة»، الذي لا مجال للاختلاف فيه.

مع القراء

مواطن مقهور جدا اتصل يبث قهره ويسأل عن الجهة التي من الممكن أن تنصفه، فصاحبنا استخرج للتو سيارة جديدة من الوكالة بعد مشقة وعناء مع المصارف لأخذ قرض منها بالإضافة إلى البحث عن كفيل له كونه حديث العمل وإن كان رب أسرة وأب لثلاثة أولاد... استخرج السيارة فقرر أن يحتفل بهذه المناسبة مع زوجته وعياله بأخذ (لفة) بالسيارة، وعندما ضاق به الصبر من شدة ازدحام الشوارع قرر أن يعرج على أحد المجمعات التجارية لتناول وجبة العشاء... وفعلا تم ذلك فعم الفرح والمرح الجميع... ولكن سرعان ما تحول هذا الفرح إلى حزن وقهر ما بعده قهر حينما رجع صاحبنا إلى سيارته فوجدها مخدوشة خدشا عميقا (يبدو متعمدا) بطولها من الجهة اليمنى، والفاعل الله وحده يعلم به!... ونقول: والله وحده من سيقتص حقك وحق أمثالك منه ومن أمثاله وحسبي الله ونعم الوكيل... والله قهر، اللهم نجنا

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً