العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

الساميون... والمسألة اليهودية (2 - 2)

محمد حسن كمال الدين comments [at] alwasatnews.com

موضوع «الأصول السامية» تناوله المؤرخون العرب وغير العرب، وطرحه اليوم يرتبط بما تشهده الساحة العربية من سخونة العناق مع «الأخطبوط الصهيوني». واستكمالاً للحديث التاريخي الذي بدأناه بالأمس، نكمل تناول أساليب التشويه الصهيوني والخلط المتعمد للتسميات «العبرانيون، الإسرائيليون، الموسويون، ثم اليهود»، والإهمال المتعمد لتواريخ التسميات إمعاناً في التعمية والتضليل.

لقد انتهى الدور الذي ظهر فيه تسمية «إسرائيل» بعد أن هاجرت أسرة النبي يعقوب (ع) إلى مصر، وانضمت إلى يوسف على قول التوراة فاندمجت وذابت في البيئة المصرية.

3- مصطلح «موسوي»، أو قوم موسى

وهم القوم الذين تبعوا موسى(ع)، وقد جاء هذا الدور بعد الدور الذي تداولت فيه تسمية «بني إسرائيل» بزهاء ستمئة عام، والموسويون، كما تدل الحوادث، هم من الجنود الفارين على أرجح الاحتمالات، تصحبهم جماعة كبيرة من بقايا «الهكسوس»، وهؤلاء كانوا يدينون هم والنبي موسى، بدين التوحيد الخالص الذي دعا إليه إخناتون فرعون مصر، وهو الدين الذي يدعو إلى عبادة الإله الواحد، إله جميع المخلوقات، عن طريق نشر الإخاء العالمي بين الإنسان وأخيه الإنسان وهو غير دين اليهود الذي يدعو إلى عبادة الإله «يهوه»، الخاص بهم، بوصفهم الشعب المختار، وقد نسبه كتبة التوراة في وقت لاحق إلى موسى زورا، ولعل فكرة التوحيد الخالص دخلت إلى مصر قبل إخناتون بعدة قرون.

وبذلك تكون الديانة التي دعا إليها موسى، هي ديانة إبراهيم الخليل نفسها، وقد اضطر موسى وأتباعه تحت ضغط الوثنيين واضطهادهم لهم بعد موت إخناتون، إلى الهرب من مصر والتوجه إلى أرض كنعان «فلسطين»،، لإيجاد مأوى لها فيها، وكان ذلك في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهؤلاء هم قوم موسى كما ورد اسمهم في القرآن الكريم والقوم ... أي قوم موسى، كانوا بطبيعة الحال يتكلمون باللغة المصرية وبها نقل النبي موسى (ع) الشريعة والوصايا العشر، وقد كتبت بالهيروغليفية، التي تعلمها في بلاط فرعون، ويستدل الباحثون من المدونات التاريخية القديمة، على أن موسى كان قبل أن يوحى إليه بالنبوة، قائدا مصريا في الجيش المصري، واشترك في الحرب ضد الحبشة، واسمه اسم مصري بحت، وقد تربى في البلاط الفرعوني، يوسفوس، وشريعة موسى هذه لم يعثر على أي أثر لها، ثم أخذ هؤلاء الموسويون بلغة كنعان وثقافتها وتقاليدها، ومارسوا حتى ديانتها الوثنية في أكثر فترات وجودهم بين الكنعانيين، «سكان فلسطين الأصليين»، وانحرفوا عن ديانة موسى وشريعته، وهؤلاء هم الذين صاروا يعرفون فيما بعد باليهود.

4- مصطلح «اليهود»

أما تسمية «يهود» فهي التسمية التي أطلقت على بقايا جماعة «يهوذا» الذين سباهم نبوخذ نصـَّر إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وقد سموا كذلك نسبة إلى مملكة «يهوذا» المنقرضة وقد اقتبس هؤلاء قبيل السبي لهجتهم العبرية المقتبسة من الآرامية، وبها دونوا التوراة - التي بين أيدينا - في الأسر في بابل، أي بعد زمن موسى بثمانمئة عام، لذلك صارت تعرف هذه اللهجة «بآرامية التوراة».

وقد استعملوا الحرف المسمى بالربع، وهو مقتبس من الخط الآرامي القديم، وهذه بلا شك غير الشريعة التي أنزلت على موسى (ع) ويمكن أن نطلق عليها «توراة اليهود»، لتمييزها عن «توراة موسى».

وكان هؤلاء اليهود عندما دونوا التوراة، استهدفوا تحقيق غرضين رئيسيين:

الغرض الأول:

تمجيد تاريخهم، وجعل أنفسهم صفوة الأقوام البشرية، والشعب المختار الذي اصطفاه الرب من دون بقية الشعوب ولتحقيق ذلك كان لابد من إرجاع أصلهم إلى أقدس شخصية قديمة، أي شخصية إبراهيم الخليل، الذي كان صيته قد عم جميع أرجاء عالمهم في تلك الأزمان، وقد حالفهم النجاح في سرد تاريخهم بحسب أهوائهم بلباقة ومهارة لم يسبق لها نظير في الأدب القديم، وأضفوا عليه صبغة دينية ليضمنوا تقبله من أتباعهم، وهكذا فقد أرجعوا تاريخهم إلى إبراهيم الخليل، وإلى حفيده يعقوب «إسرائيل» فسموا جماعة موسى: «بني إسرائيل»، على رغم كونهم ظهروا بعد إسرائيل بزهاء ستمئة عام، وذلك بغية ربط أصلهم بإبراهيم الخليل، وابتدعوا فكرة الشعب المختار التي كان إبراهيم الخليل ويعقوب وموسى بريئين منها.

ثم جعلوا بني إسرائيل الموضوع الرئيسي الذي تدور حوله الحوادث الواردة في التوراة، فعدتهم التوراة موجودين في كل زمان وفي كل مكان، حتى في الأدوار التي سبقت ظهور يعقوب إلى عالم الوجود، فقد اعتبرت وجود بني إسرائيل في عصر إبراهيم الخليل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وقبل أن يخلق يعقوب «إسرائيل»، كما أنها عدت وجودهم بعد أبيهم يعقوب بحوالي ستمئة عام، أي في عهد موسى، عندما دخلت جماعته أرض كنعان، (فلسطين)، خارجة من مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ثم اعتبرت وجودهم في جميع الأدوار والحوادث التالية، ومن ضمنها عهد الملوك، وعهد الانقسامات وما تلا ذلك.

وحتى يهود الخزر الذين اعتنقوا اليهودية في وقت لاحق، وهم من أصل تركي، وكذلك يهود أوروبا، وأميركا، ويهود العالم جميعاً، هم على رأي التوراة، نفس أبناء يعقوب الذي عاش حوالي 1700 ق.م. تقريبا ، فما أغرب هذا المنطق ! والأغرب من هذا كله، هو أننا نجد الكثير من الباحثين ممن يتقبل مثل هذا الخلط.

الغرض الثاني :

أما الهدف الثاني فهو جعل فلسطين وطنهم الأصلي، على رغم تأكيد التوراة ذاتها أن فلسطين هي أرض غربة بالنسبة لإبراهيم وإسحق ويعقوب، وخصوصاً أبناء (يعقوب/إسرائيل)، الذين ولدوا في حران، ونشأوا فيها، هذا إذا فرضنا أن قوم موسى هم بنو إسرائيل حقا كما سمتهم التوراة.

وهكذا فقد ابتدع مدوِّنوا التوراة فكرة منح الرب أرض كنعان إلى إبراهيم وذريته، وأن الرب (إلهـهم يهوه الخاص بهم)، قد أمرهم بإبادة الكنعانيين هم وأطفالهم وشيوخهم ونساؤهم، ليحلوا محلهم.

هذا هو الدين الذي جاء به كتبة التوراة، ونسبوه إلى إبراهيم وإلى يعقوب وإلى موسى زوراً، وهؤلاء هم اليهود الذين سماهم القرآن الكريم «كفاراً»، لكذبهم على موسى وتحريفهم لتوراته، فيقول فيهم: «ضربت عليهم الذلة والمسكنة... وباءوا بغضب من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» (البقرة: 61) (8).

وهكذا فقد فرق القرآن الكريم بين بني إسرائيل «ذرية إبراهيم الخليل» من جهة، وبين اليهود المتأخرين من جهة أخرى، وذلك باستعمال اسمين لهما:

أطلق اسم «بني اسرائيل» في مواضع الرضا.

أطلق اسم «اليهود» في حالات السخط عليهم (9).

وبطبيعة الحال، بعد أن انحرف اليهود عن ديانة موسى بعد عهده، وبدأوا يعبدون الأوثان، ابتدعوا الإله «يهوه» إلها خاصا بهم، وقد حدث ذلك عندما دون الكتبة «التوراة»، إلها خاصا بهم، إله لا يهمه من العالم والخلق غير اليهود «شعبه المختار»، على غرار مبدأ التفريد «HENOTHEISM»، الذي اعتنقته الأقوام القديمة، حين كانت القبيلة أو المدينة تعبد إلها واحدا من بين مجموعة الآلهة من غير أن تنبذ عبادة الآلهة الأخرى.

والأرجح أن اليهود أخذوا بهذا المبدأ من البابليين، عندما دونوا توراتهم في الأسر في بابل، إذ كانت كل مدينة من المدائن البابلية تختص بإله واحد من بين مجموعة الآلهة. لذلك تعد دعوة إبراهيم الخليل إلى وحدانية الله الخالصة، أول دعوة عامة للتوحيد في تاريخ البشرية بالمعنى الدقيق لمصطلح «التوحيد» (MONOTHEISM)، وهي دعوة عربية لغة ووطناً.

ثم جاءت رسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، النبي العظيم خاتم الأنبياء، وقد أنزلت عليه باللغة العربية أيضاً، لأن اللغة التي تكلم بها إبراهيم الخليل هي اللغة العربية «الأم»، وموطنها الأصلي الجزيرة العربية (10).

واليهود الذين زوروا التوراة بأساليب دقيقة وخبيثة، يذكرون في كتبهم التي يعلمونها النشء الجديد، أو التي ينشرونها بين الناس عن تاريخهم «أن الشعب اليهودي نزح إلى فلسطين من بلاد الرافدين في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد بقيادة إبراهيم الخليل، ولم يكن عددهم آنذاك يتجاوز أربعة آلاف شخص، وهذه المفاهيم المزيفة والموضوعة بعناية وخبث شديدين، هي نفسها التي تدرس اليوم في الجامعات والمعاهد الأوروبية، والأميركية، لأن الأساتذة الذين يضعون كتب التاريخ القديم هم من اليهود، أو من المسيحيين المتعصبين للتوراة، ومع كامل الأسف، قبل العرب هذا الهراء على علاته، وصاروا يرددونه من دون تمحيص، أو من دون أن يقفوا لحظات ليفكروا ويسألوا أنفسهم، أين كان اليهود في عصر إبراهيم الخليل؟ وكيف تم التوصل إلى إحصاء عددهم الذي هو أربعة آلاف؟

في حين ان اليهود لم يظهروا إلى عالم الوجود إلا بعد الألف الرابعة بأكثر من ثلاثة آلاف عام أي في القرن العاشر أو الحادي عشر قبل الميلاد على وجه التقريب، ويدعي اليهود في أبواب أخرى من التوراة المزيفة أن تاريخهم في فلسطين يرجع إلى خمسة آلاف عام ق.م. وأن العرب لم يدخلوها إلا بعد الفتح الإسلامي، وهذا يشكل أكبر تزييف للواقع التاريخي (11).

وهم من خلال هذه التزييفات والادعاءات الباطلة يثبتون على أنفسهم أنهم لا علاقة لهم بالسامية أو الساميين، بيد أنه يوجد هناك جزء يسير من يهود «إسرائيل» الحاليين لا تتجاوز نسبتهم 20 في المئة هم من بقايا الإسرائيليين الأصليين أي بقايا أتباع «إسرائيل» وهو نبي الله يعقوب عليه السلام.

وفي اعتقادي أنه قد آن الأوان للباحثين المنصفين أن يتحرروا من التقيد بمدونات التوراة «المزيفة» في بحث التاريخ اليهودي، والمسألة السامية، وعليهم أن يتوغلوا في أحدث الاكتشافات للنصوص القديمة التي سبقت عصر التوراة بعشرات القرون، واقتفاء التسلسل الزمني للتواريخ، للتمييز بين الغث والسمين، كما حان الوقت لكتابة تاريخ الأمة العربية من جديد في ضوء الاكتشافات الآثارية والتطورات الفكرية والتقنية في العالم.

وأعتقد أن الجيل الحاضر من المثقفين ثقافة عربية متأصلة، والحاملين للثورة المعلوماتية، سيترتب عليهم واجب قومي لإثبات الحقائق، وذلك بدراسة «المسألة اليهودية» دراسة علمية مجردة من العواطف وبعيدة عن التأثيرات، تساعد على فهم طبيعة العدو بشكل يجعل الأمة أكثر يقظة لمجابهة الادعاءات الصهيونية الوهمية، وتحصن هذه الأمة ضد ما تسببه لعقولنا من شلل يقعدنا على هامش التاريخ

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن كمال الدين"

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً