العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

30 في المئة من جنود «عاصفة الصحراء» مصابون بفيروس حرب الخليج

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قبل وقت قصير نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» معلومات استقتها من تقرير جديد عما يعرف باسم «فيروس حرب الخليج». ففي يناير/كانون الثاني 1991 بدأت الحملة العسكرية على العراق تحت اسم «عاصفة الصحراء» بهدف تحرير الكويت من القوات العراقية التي اجتاحت أراضيها في مطلع أغسطس/آب 1990. وكانت هذه الحرب الثانية التي دارت في منطقة الخليج بعد الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمانية أعوام قام الغرب أثناءها بتزويد العراق بالتقنية اللازمة لإنتاج أسلحة كيماوية وجرثومية. ثم كتب القدر أن تسببت الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في تعريض حياة آلاف الجنود للخطر بعد أن قامت بضرب مستودعات لهذه الأسلحة، ما أسفر عن تفجير براميل تحتوي على غازات سامة انتشرت في الهواء. ومن المحتمل أن يكون نحو عشرة آلاف جندي من قوات التحالف المناهض للعراق استنشقوا هذه الغازات الفطرية الفتاكة، وهكذا حصل احتكاك مباشر بين قوات التحالف والأسلحة العراقية الفتاكة.

وأثبتت تجارب علمية أجريت على حيوانات مثل القردة أن جرعة بسيطة من غاز الأعصاب (سارين) تكفي لتدمير دماغ الإنسان وجهازه العصبي. وفي العام 1994 أبلغت الحكومة الأميركية لجنة تحقيق تابعة إلى مجلس الشيوخ الأميركي أن جميع التحذيرات التي بلغ عددها خلال حرب الخليج 14 ألف تحذير بشأن استخدام العراق أسلحة فتاكة لم تكن صحيحة. لكن خبراء تابعين إلى الأمم المتحدة وجدوا لاحقاً وبعد نهاية الحرب أن الغارات الجوية التي قام بها الحلفاء دمّرت الكثير من مخازن الأسلحة منها مخزن «الخميسية»، وبهذا سعت بنفسها إلى انتشار الغازات السامة في سماء العراق.

بيانات منظمة المحاربين الأميركيين القدامى التي نشرتها على صفحتها الإلكترونية أوضحت ان حوالي 200 جندي أميركي قتلوا خلال حرب الخليج الأولى، ولكن بعدما عاد الجنود إلى بلدانهم سرعان ما راح الكثير منهم يشكون من عوارض مختلفة، وتبين أنها لم تكن حالات فردية، فهناك نحو 160 ألف جندي وموظف في المؤسسات العسكرية يعانون من عوارض مشابهة: ضعف الذاكرة والخمول والإسهال وتغير الجلد وآلام في العضلات وتصبب العرق وفقدان الوعي والأرق. أسوأ الحالات الإصابة بمرض شبيه بمرض باركنسون، مثل هذه الحالات تم تأكيد أن جنودا من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وكندا أصيبوا بها. وحين فكر ضحايا حرب الخليج الأولى وأقارب الجنود الذين ماتوا متأثرين بفيروس حرب الخليج في مطالبة حكومات دولهم بتعويضات راحت لجان تحقيق أنشئت لغرض التأكد من أسباب مرض الجنود وكذلك المؤسسات العسكرية تتنكر لوجود فيروس نتيجة الحرب وراحت تروج لأن سبب انتشار هذه العوارض في صفوف المحاربين السابقين تعود للإرهاق الذي لحق بهم بعد مشاركتهم في المعارك وتمت الإشارة إلى عوارض مماثلة أصيب بها كثير من الجنود الأميركيين الذين شاركوا في حرب فيتنام. وجرت مناقشة بصورة مكثفة عن الدواء الذي يحمل اسم Pyridostigmin الذي تناوله 400 ألف من العسكريين الذين شاركوا في حرب الخليج قبل بدء العمليات العسكرية وقيل لهم ان هذا الدواء يقوي الجسم في مواجهة هجوم بسلاح الغاز السام من دون أن يعرف الجنود أياً من العوارض التي يمكن أن تظهر نتيجة استخدامه. وهكذا تم استخدام الجنود كفئران تجارب. كما ظهرت في حالات أخرى حالات سرطانية في صفوف الجنود لاستخدام أسلحة تحتوي على يورانيوم مخصب، وأصاب السرطان نسبة كبيرة من الجنود العراقيين الذين أصيبوا بشظايا قنابل اليورانيوم أو كانوا على مقربة من مكان انفجارها.

نقطة الخلاف بين الجنود المصابين بفيروس حرب الخليج وحكومات دولهم أن الأخيرة ترفض الاعتراف بوجود هذا الفيروس نتيجة الحرب لأنها لا تريد تحميل نفسها تبعات ثقيلة مثل صرف تعويضات عالية للجنود وأقرباء الجنود الذين ماتوا، إذ في نهاية المطاف ستكون قيمة هذه التعويضات عالية جدا. وكان جنود أميركيون لجأوا إلى القضاء بعد نهاية حرب فيتنام بعد أن قرروا مقاضاة شركات أميركية مسئولة عن إنتاج مواد سامة استخدمها الأميركيون في القتال ضد ثوار الفيتكونغ ما أدى إلى انتشار أمراض خطيرة في صفوف الجنود الأميركيين أيضا. وفي النهاية تم الاتفاق على تسوية خارج إطار المحكمة قامت الشركات الأميركية المعنية على إثرها بدفع تعويضات قيمتها 180 مليون دولار.

أما الآن فقد ظهرت تقارير جديدة تؤكد ضرورة الاعتراف بـ «فيروس حرب الخليج» كمرض مثل سائر الأمراض التي تفتك بالإنسان. ومن المنتظر أن ينشر تقرير أميركي هذا الأسبوع يدعو إلى وضع «الفيروس» على قائمة الأمراض، ما يؤدي إلى مناقشات جديدة وقد يدفع الإدارة الأميركية إلى التراجع عن موقفها المعروف.

النقطة البارزة في هذا التقرير الذي أعدته لجنة تحقيق مكلفة من الحكومة الأميركية هي أن مجموعة معتبرة من المحاربين الذين شاركوا في حرب الخليج العام 1991 يشكون من عوارض مختلفة لا يعود سببها إلى الإرهاق بسبب العمليات العسكرية وليس لأمراض عصبية. ووفقاً لهذا التقرير فإن 30 في المئة من الجنود الذين شاركوا في «عاصفة الصحراء» يعانون من «فيروس حرب الخليج». ويشير التقرير إلى أن أسباب المرض هي انفجار مخازن كانت تحتوي على كميات من غاز «السارين»، وكذلك مادة كيماوية ضارة بالإنسان قام الحلفاء برشها على الخيم والمواقع في الصحراء لغرض حماية الجنود من الحشرات والجراثيم. وفي بريطانيا يجري التحقيق في هذا المرض من قبل لجنة يترأسها أحد اللوردات، والملفت للنظر أن أعمال هذه اللجنة تتم بتمويل غير حكومي. وفي القريب سيجرى الكشف عن نتائج تحرياتها بعد الانتهاء من توثيق شهادات عدد كبير من الشهود. ومن المنتظر أن يتحدث هذا التقرير أيضاً عن حالات منتشرة في صفوف جنود بريطانيين شبيهة بالحالات الموجودة في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وتحدث خبير الأمراض المعدية روبرت هالي من جامعة تكساس بولاية دالاس الأميركية عما وصفه بفضيحة لأن فترة طويلة من الزمن مرت قبل أن تشارف حكومات الدول التي شاركت في حرب 1991 على الاعتراف بوجود «فيروس حرب الخليج». وقال انه يجد صعوبة في فهم الطريقة التي تعاملت بها هذه الحكومات مع جنودها المصابين بالفيروس. وقام روس بيروت الذي كان ضمن المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية العام 2000 بتمويل دراسة قام بها روبرت هالي كشفت عن وجود ثلاث حالات مختلفة نتيجة هذا الفيروس: أولها وصفها بالمرض الخفيف إذ يعاني المصاب من ضعف التركيز والارق. الثانية: يصاب الشخص بدوخة، والثالثة: الشعور بألم مبرح. وتتفق النتائج التي توصل إليها هالي مع النتائج التي يتضمنها تقرير منظمة المحاربين القدامى في الولايات المتحدة كما من المرجح أن يشير إليها أيضا تقرير بريطاني مرتقب

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً