العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

فضل الله يحذر من الطائفية لأن القضية قضية الاحتلال

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ألقى سماحة العلامة المرجع السيدمحمدحسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من فوق منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين... ومما جاء في الخطبة السياسية: ما هو مستقبل القضية الفلسطينية من خلال التطورات المتلاحقة في أوضاعها السياسية، وكيف يمكن للقائمين على الشئون السياسية والأمنية - من سلطة وأجهزة أمنية وانتفاضة وفصائل متنوّعة - إدارة المرحلة الجديدة بالمستوى الذي يحفظ للقضية قوتها وسلامتها واستراتيجيتها في خط التحرير؟

إن هناك أكثر من حديث دولي وإقليمي ومحلي لاحتواء الوضع الجديد، تحت تأثير أصوات متناقضة، فهناك صوت يتحدث عن عقبة للحل السلمي قد سقطت برحيل القيادة التاريخية، ما يفسح المجال لأكثر من ضغط على الفلسطينيين للقبول اليوم بما لم يقبلوه بالأمس، وهناك صوت يتحدث عن الواقعية السياسية التي تفرض عليهم أن يقدّموا بعض التنازلات لتسهيل مهمة الرئيس الأميركي في ولايته الثانية، ولاسيما في نطاق الاستمرار في سياسته الموعودة بشأن الدولة الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية، لتحقيق الحلم اليهودي بالدولة اليهودية التي لا بد أن تكون خالصة صافية للعنصر اليهودي ولو في المستقبل، مع مصادرة أكثر من أرض فلسطينية - بالإضافة إلى أكثر الأراضي الفلسطينية - لإقامة المستوطنات والجدار العنصري عليها، ورفض عودة اللاجئين، لأن المطلوب أميركياً وإسرائيلياً هو ممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني لا على اليهود باعتبار أن المسألة لدى الإدارة الأميركية هي الأمن لـ «إسرائيل» بالمطلق بكل الحلم التاريخي، لا الأمن للفلسطينيين أو العرب، بفعل عنصرية المحافظين الجدد الذين ينتمي اليهم الرئيس الأميركي بوش، مع اللوبي الصهيوني الأميركي...

إن المطلوب - أميركياً - من السلطة الفلسطينية الجديدة أن يترك الفلسطينيون شيئين: حقوقهم وأسلحتهم، ويرفعوا الرايات البيضاء لينالوا بعض الوعود الأميركية المعسولة في تحويل الدولة الفلسطينية الموعودة إلى سجن كبير داخل الجدار العنصري الذي تعيش في داخله البؤر الاستيطانية في نطاق الأمن السياسي والاقتصادي والأمني الإسرائيلي.

ولذلك، فإننا نريد للشعب الفلسطيني أن يبقى هو القائد لحركة القضية، في تأكيد التحرير الكامل والمتابعة لدراسة أصول اللعبة الجديدة التي يتحرك فيها الخداع الدولي، ولاسيما الأميركي، تحت عنوان «خريطة الطريق» التي تقفز من سنة 2005 إلى سنة 2009، في عملية تجاذب تبقى فيه المسألة الأمنية خاضعة للمسألة السياسية على حساب الانتفاضة المجاهدة.. ونؤكد - من جديد - الوحدة المدروسة التي تلتقي على حماية الاستراتيجية من متاهات التكتيك، ونريد للدول العربية التي تحررت من القضية الفلسطينية ألا تضغط على الفلسطينيين لخدمة المشروع الأميركي، تحت عناوين أمنية مشبوهة هنا وهناك، لأن ذلك يمثل الخيانة الكبرى للمستقبل العربي كله.

أما العراق، فإنه يتحرك تحت تأثير الهجمة الأميركية في عملية الإبادة للشعب العراقي في الفلوجة وما حولها، من خلال القصف الجهنمي الوحشي العشوائي بالأسلحة الأميركية المتطوّرة التي يتساقط فيها المدنيون من أطفال ونساء وشيوخ، وتنتشر فيها الجثث على الأرصفة والشوارع، والجرحى يتوسّلون لكنّ أحداً لا يقدر على مساعدتهم بحسب وكالات الأنباء والقطط والكلاب تنهش أجساد الضحايا المتناثرة في الشوارع، ويقوم الجنود الأميركيون بالإجهاز على الجرحى في المساجد، مما نقلته الصور في الإعلام المرئي والمقروء، ما يوحي بأن ذلك لا يمثل عملية فردية بل ذهنية عسكرية أميركية، تماماً كما تناقلته أجهزة الإعلام في سجن أبي غريب، الأمر الذي يؤكد أن الشعارات الأميركية في الحديث عن حقوق الإنسان أكذوبة مفضوحة... إننا لا نتحدث عن حال فردية من جندي أميركي، ولكنها ذهنية الإبادة شاملة على الطريقة الإسرائيلية في فلسطين، إذ لا توجد إحصاءات حقيقية عن القتلى في صفوف المدنيين.

إننا لا نعتقد أن هذه هي الطريقة المثلى لبسط الأمن في البلد من أجل نشر الحرية والديمقراطية بحسب تقرير الحكومة العراقية المؤقتة في بياناتها الأمنية والسياسية بل إن هذا الاستقواء بالقوات المحتلة سيؤدي إلى جروح عميقة ليست في مصلحة الوضع السياسي في العراق.

وإذا كنا ندين كل الممارسات الإرهابية التي يقوم بها الاحتلال الأميركي في العراق، فإننا ندين بكل شدة عملية خطف الرهائن وإعدامهم، ولا سيما جريمة قتل الرهينة البريطانية التي قدّمت الخدمات إلى الشعب العراقي، فإن ذلك من الأعمال الوحشية التي لا يقبل بها أيّ دين ولا سيما الإسلام الذي يرفع القائمون بهذه الأعمال شعاراته على مواقعهم.

وإننا في الوقت نفسه نحذّر من استمرار عمليات قتل الأبرياء على أساس مذهبي حاقد من قِبَل قطّاع الطرق من التكفيريين الذين يقومون بالإعدامات العشوائية في أكثر من منطقة، الأمر الذي نخشى معه من حركة مضادة على صعيد رد الفعل من قِبَل فريق مذهبي آخر تحت عنوان الدفاع عن أهلهم، ما يؤدي إلى مذابح طائفية مذهبية على الساحة الإسلامية العراقية التي قد تمتد إلى مناطق أخرى..

إننا نحذّر عقلاء السنّة والشيعة والفعاليات الدينية والسياسية والعشائرية من النتائج المميتة لهذا الواقع المأسوي الوحشي، ونريد لهم أن يتحمّلوا مسئولياتهم لمعالجة هذه المشكلة الصعبة، لأن القضية هي قضية الاحتلال لا قضية الصراع المذهبي الإسلامي الإسلامي... إننا نعتقد أن هؤلاء التكفيريين هم الطابور الخامس للاحتلال وللمخابرات الدولية الأميركية والصهيونية، مهما حاولوا إعطاء أعمالهم عنواناً إسلامياً... أيها الناس: إن العراقيين ينتقلون من مأساة تاريخية إلى مأساة واقعية حالية ومستقبلية، فلا تزيدوا مآسيهم بخططكم المتخلّفة الوحشية.

أما لبنان، فإنه لايزال يعيش القلق الكبير المدمِّر في الأوضاع الخطيرة التي يعيشها مغتربونا في ساحل العاج، من خلال الاهتزاز الأمني الذي يعرّض أنفسهم وأموالهم وبيوتهم للاجتياح بطريقة وبأخرى، ونطالب الدولة بأن تتحمّل مسئولياتها في حمايتهم بما يشبه حال الطوارئ، لأنها مسئولة عن المغتربين بالدرجة نفسها في مسئوليتها عن المقيمين..

ولايزال الناس ينتظرون الوعود بتحسين أوضاعهم المعيشية، وبمعالجة المشكلات الصعبة التي تلاحق المواطنين على أبواب الشتاء... وإذا كانت الحكومة الحاضرة تضع في أولوياتها محاربة الهدر والفساد، فإن عليها العمل على القيام بالإحصاءات لكل مواقع الهدر وكل القائمين على حماية الفساد وممارسته، وكشف ذلك للمواطنين، ولاسيما أن القضية لا ترتبط بهذه الحكومة بل هي حصيلة تاريخ لأكثر من حكومة ممن يتحدث بعض أفرادها عن الإصلاح والمصلحين؟!

إن القضية هي ان الحكم شجاعة وصلابة وموقف وليس بيانات سياسية... ولذلك، فإن المطلوب هو أن يتجاوز الحاكم في أيّ موقع ذاته فلا يخاف على مواقعه، لأن الوطن أكبر من الأشخاص، وعلينا العمل على أساس أن يكون الخاص في خدمة العام بدلاً من سقوط العام أمام خدمات الخاص، وخصوصاً في مناسبة الاستقلال الذي نريده ألا يبقى احتفالياً استعراضياً، بل حقيقياً يشعر فيه المواطن أنه يعيش في لبنان حرّ سيد مستقل، ليس مقراً للاحتلال ولا ممراً له..

إن الحرية هي الرئة التي يتنفّس منها لبنان الهواء النقي للمستقبل، فلا تحرموه منها أيها القائمون عليه

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً