العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ

التشكيك في الآخرين انتقاص لحقوقهم

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منظومة حقوق الإنسان لها تشريعاتها الدولية وأعرافها ولها تفرعاتها المرتبطة بالمبادئ التي أطلقها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1948. ومن تلك التفرعات التي تنطبق على وضعنا في البحرين ما يتعلق بـ «التشكيك» في الآخرين، بحيث يتحول هذا التشكيك إلى اعتداء على حقوق الإنسان لفئة من الناس.

ولإيضاع المعنى، فإن الأميركان من ذوي الأصول الإفريقية (الأميركان السود) تعرضت حقوقهم للانتهاك على مدى فترة طويلة جداً وحتى وقت قريب لأن الشرطة تشك في كل شخص لونه أسود أنه مجرم، أو هاتك للأعراض، أو سارق، أو انه ينوي القيام بعمل مخالف للقانون.

وقد ناضل السود كثيراً وتكللت نضالاتهم بالانتفاضة الكبرى في الستينات من القرن الماضي التي قادها أشخاص مثل «مالكولم اكس» و«مارتن لوثر كينغ»، ونتج عن ذلك تشريع قوانين وتدشين سياسة «التحيز الإيجابي» التي وصلت إلى قمتها في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. و«التحيز الإيجابي» يتطلب عكس الانتهاك لحقوق السود وغيرهم بحيث يتم توفير فرص لهم للتعويض عن الحرمان الذي عانوا منه كثيراً بسبب التشكيك فيهم.

وفي البحرين لدينا المشكلة نفسها، فهناك هيئات رسمية وهيئات أهلية تشكك في فئة من الناس وتعتبرها مصدراً لكل بلاء، ومهما قام فرد ما ينتمي إلى هذه الفئة بأي عمل وطني فإنه مشكوك فيه أصلاً، بل يتعدى الأمر ذلك ليصبح كل شخص ينتمي إلى هذه الفئة أو تلك «متهماً حتى تثبت براءته». ولا سبيل لأي شخص في أن يثبت براءته، لأن اثبات البراءة يعني انهيار ثقافة متأصلة في نفوسي البعض، ويعني تضرر مصالح البعض الآخر. وفي الحالين فإن الأمر يبدو صعباً للغاية وخصوصاً إذا توافرت كل ظروف الشك والتشكيك بسبب الأجواء المحمومة داخلياً وخارجياً.

وهؤلاء المشككون في الآخرين يعتبرون من منتهكي حقوق الإنسان، وفي الدول المتحضرة تتخذ إجراءات صارمة ضدهم إلى الدرجة التي دفعت ببعض الحكومات إلى اعتماد سياسة «التحيز الإيجابي» لمقاومة هذا الاعتداء الصارخ على حقوق الإنسان.

قد يسأل البعض: لماذا تكتب عن هذا الموضوع وتنبش أموراً يود الجميع إغفالها؟ وجوابي انه يجب علينا الحديث بصراحة لأن الأمر ليس خافياً على أحد. بل ان هناك من لم يمن الله عليهم بصفات ضبط النفس وضبط ما يقولون ويكتبون، فتراهم ينشرون كتابات ورسومات كارتونية ويخطبون في الناس ويوزعون أشرطة مسجلة ويبعثون رسائل احتجاجية إلى المسئولين وغير المسئولين يتحدثون فيها - بكل صراحة - عن هواجسهم وتشكيكهم في نصف المجتمع الذي يعيش معهم.

أحد الذين ابتلاهم الله بالتشكيك في الآخرين (وبالتالي فهو منتهك لحقوق الإنسان) بعث رسالة يتحدث فيها عما يكتب وينشر هنا وهناك، معتبراً أن الآخرين الذين يعيشون معه في البحرين «مشكوك» في أمرهم... هذا الحديث وهذه الثقافة هما السبب في تخلف العمل البرلماني والعمل السياسي لدينا، فكيف يتوقع من ينتهك حقوق الإنسان أن يحترم حقوقه الآخرون؟ وكيف يسمح شخص ما أو فئة ما أن تعتبر نفسها هي الأساس والآخر هو الطارئ! أسئلة كثيرة لابد من طرحها ومناقشتها بصراحة لكي نستطيع الحد من انتهاك حقوق الإنسان في هذا المجال

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً