لعل من التجارب الناجحة في حقل العمل الاجتماعي تلك القائمة على التطوع والعطاء للآخرين، مما نشهده في تجارب المؤسسات والجمعيات الاسلامية والصناديق الخيرية المختلفة. مثل هذه المؤسسات في غالبيتها لا تقوم على الربح، وانما على أساس عقائدي بحت، هو التقرّب إلى الله تعالى. والملاحظ ان من يقوم بها شريحة من أبناء هذا الشعب، غالبيتهم من أبناء الطبقة الميسورة، المتدينة، المحبة للخير، التي تعمل في الظل، لا تبتغي شهرة ولا جاهاً بين الناس. ونكاد نعمم القول مع علمنا بأن هناك من حاول الدخول في هذه الحلبة من أجل كسب أصوات واحتلال مكانة لم يكن ليحصل عليها بغير هذا الطريق، لثقة الناس بمن يسلكون هذا الدرب البعيد عن الأضواء. وهي قناعة لدى الكثيرين من أبناء هذا الشعب، خصوصاً بعد ان صدموا بأداء بعض هؤلاء الذين انتخبوهم ليمثلوهم ويدافعوا عن قضاياهم ويسعوا إلى تحسين معيشتهم، وإذا بهم يتشاغلون عن كل ذلك بالقضايا التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذه التجارب بالنسبة إلى من يتابعها عن كثب، سيكتشف ان غالبية القائمين عليها ليسوا من رجال الدين، وانما هم من الفئة المتديّنة كما أسلفنا. وهؤلاء يلجأون إليهم فقط في حالات الاستشارة وأخذ الرأي الشرعي إذا التبست عليهم الأمور أو برزت لهم إشكالات معينة، اما سوى ذلك فهم سائرون دائبون كالنحل النشيط.
وإذا كان لنا من ملاحظة في سياق اهتمامنا بمؤسسات «المجتمع المدني» هذه، وأنشطتها المختلفة، فهي الاهتمام بالعمل الجماعي المشترك، في عالمٍ لا يعرف التشرذم والتشظي، إن على مستوى الدول وتكتلاتها، أو حتى على مستوى المؤسسات المالية والمصرفية، وما نراه من اندماج المصارف الكبرى من أجل التأقلم مع العالم الجديد.
وإذا أردنا أن نضرب مثلاً على مستوى الأنشطة الموسمية، فإننا نشير إلى تجربة الزواج الجماعي المشترك بين الصناديق، فاستمرار العمل على النمط السابق لن يحدث نقلة نوعية إلى الأمام، مع محدودية الامكانات وعدم توفر التجهيزات، ما يضطر هذه المؤسسات إلى إنفاق مبالغ كبيرة من أجل تأمينها. بينما اجتماع مجموعة من الصناديق المتقاربة جغرافياً لتنظيم هذه الفعالية مثلاً يفتح الباب أمامها للنجاح بصورة أكبر، إذ ستتوفر أمامها تسهيلات أكبر... حتى الجهات الداعمة ستقدّم تبرعات أكثر في حال زيادة عدد المشاركين أفراداً ومؤسسات.
الدولة وأجهزتها الرسمية أيضاً سيكون تقبّلها لدعم هذه الفعاليات أكبر، وما حصل من دعم لتجربة الزواج الجماعي المشترك بين الديه والبلاد القديم مثالٌ واضح، لترحيب وزارة التجارة بمثل هذه الفعاليات واستعدادها لاستضافتها في مركز المعارض المجهز بالتسهيلات بدل تنيظمه في الهواء الحار في موسم الصيف الحارق. والجهات الرسمية إذ تتعامل مع عدة جهات معتمدة وذات تجارب، ستطمئن إلى ان هذه الجهات ستتولى الحفاظ على المرافق العامة ونظافتها...إلخ.
وإذا كانوا يقولون إن في الاتحاد قوة، فإن في الاتحاد مصلحةً ايضاً
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ