أكد المرجع آية الله السيّد محمد حسين فضل الله، أن التصور الأميركي للدولة الفلسطينية لا يختلف عن التصور الإسرائيلي إذ يُقال للفلسطينيين كل شيء ولا يقدم إليهم شيء. ورأى أن الرئيس الأميركي ينافق عندما يتحدث عن الدولة الفلسطينية إذ يُراد للفلسطينيين ألا يتطلعوا إلى ما يتجاوز جدار الفصل.
جاء ذلك في إطار رده على سؤال في ندوته الأسبوعية عن ماهية التصور الأميركي للدولة الفلسطينية؛ فأجاب: «أنا أزعم أنه ليس هناك تصور أميركي واضح حيال هذا الأمر، وبكلمة أخرى فإن التصوّر الأميركي للدولة الفلسطينية راهناً لا يختلف عن التصوّر الإسرائيلي الذي يعرض على الفلسطينيين كل شيء ولا يعرض عليهم شيئاً، لأن المسألة هي مزيد من الكلمات الغائمة والضبابية، ومزيد من المفردات التي تضيّع الحق، ثم يتهم الفلسطينيون بأنهم ضيّعوا فرصة تاريخية كان بإمكانهم الاستفادة منها لو أنهم خضعوا للشروط الإسرائيلية التي تقول لهم: إنكم لستم أمة ولا يمكن أن تكونوا شعباً يستحق الدولة، لأن المسألة ببساطة ستعني أحقية الدولة التي تعني أحقية الشعب الذي تنكّرت الأمم لحقوقه المشروعة لحساب المشروع الصهيوني، المدعوم أميركياً».
وتابع «إن الكيان الصهيوني بطبيعته العدوانية وأهدافه التوسعية وتركيبته العنصرية يرفض قيام الدولة الفلسطينية، لأن قيامها سيعني بداية النهاية للحلم الصهيوني في المنطقة كلها، أو المسمار الذي يدق في اسفين المشروع الإسرائيلي الطامح إلى الاستمرارية والامتداد، وربما بالقدر نفسه من التوجّس أو عدم الرغبة تصبح الدولة الفلسطينية مرفوضة أميركياً وخصوصاً لدى الإدارة الحالية التي رفعت شعاراً جعلته في قائمة أولوياتها السياسية والاستراتيجية، وإن لم تتحدث عنه بصراحة، وهو: «إسرائيل» دائماً على حق، الأمر الذي يعني أن كل سعي فلسطيني للتحرر هو في نهاية المطاف إرهاب وعنف غير مشروع، وكل أعمال القتل الإسرائيلية الأخرى دفاع عن النفس، وهو بمثابة الحق الطبيعي لدولة ديمقراطية تعيش وسط غابة من الوحوش والقتلة الذين يريدون إبادتها، بحسب المفهوم الأميركي!.
وقال: «إن التصوّر الأميركي لرفض قيام الدولة الفلسطينية المستقلة سابق لكل تصوّر ولأي حلّ للمسألة الفلسطينية، ولذلك حرصت إدارة بوش طوال السنوات الأربع الماضية على تحريك المفردات التي تتهم الفلسطينيين بأنهم هم المشكلة والعقبة، من خلال الحديث عن فساد السلطة الفلسطينية وضرورة إصلاحها، وعن ضرورة وجود قيادة تنزع نحو «التحوّل الديمقرطي»... وكل ذلك من قبيل تكبير حجم المشكلة الفلسطينية الداخلية وتناسي موضوع الاحتلال الذي هو الأساس في كل هذه التفاصيل التي ستظل تلوكها الإدارة الأميركية حتى في السنوات الأربع المقبلة من ولاية بوش الثانية، لتقطيع الوقت على أساس أن الرفض الفلسطيني هو المشكلة، ورفض الإصلاح والديمقراطية، ورفض التخلي عمّا يسمّونه الإرهاب، لأن النظرة الأميركية كانت تركز دائماً على التفاصيل وتتناسى الأصل والجوهر، وترى القشة عند الفلسطينيين وتتجاهل الخشبة الإسرائيلية».
وأضاف فضل الله «إن الدولة الفلسطينية وفق التصوّر الأميركي أظهرتها رسالة الضمانات التي بعثها بوش لشارون، ومن ثم تبنّاها الكونغرس، وهي تُسقط حق العودة، وتعمل على توطين الفلسطينيين في الشتات، وتغتال أدنى الحقوق المشروعة لشعب أقرّت له شرعة الأمم المتحدة بحقه في العودة الى وطنه وتقرير مصيره، وأرادت أميركا في إداراتها المتعاقبة أن تلعب على هذه القرارات لتتحدث عن أن المسألة تقررها المفاوضات ثم تدخل على خط تسيير هذه المفاوضات لمصلحة «إسرائيل»، ولتخيّر الفلسطينيين بين اللاشيء وبين صيغة ضبابية مضللة تأخذ اسم الدولة، ولكنها بلا طعم ولا لون ولا رائحة».
وأردف قائلاً: «إن بوش الذي تحدث دائماً عن «الحقائق الساطعة على الأرض» عندما كان يتحدث عن الدولة الفلسطينية، ليقول للفلسطينيين ان الاحتلال هو الحقيقة، وان أحلامكم بالدولة الحقيقية هي الوهم، والذي تعامى عن مسألة الاستيطان وخطره على الدولة، لا بل حتى على الدويلة الفلسطينية. إن بوش هذا بإدارته اليمينية المتطرّفة وبالمحافظين الجدد المجدّد لهم، والذين يشبهون المتطرفين الصهاينة المتحلّقين حول شارون، لا يريد للدولة الفلسطينية أن تقوم لها قائمة، بل يريد من الفلسطينيين أن يقدّموا الخضوع والسلام لـ «إسرائيل» ليكسبوا مديح الإعلام الغربي بأنهم هجروا ما يسمونه الإرهاب، وفي المقابل يخسرون السلام والدولة معاً».
وخلص إلى القول: «إننا نعتقد أن بوش ينافق عندما يتحدث عن الدولة الفلسطينية، فليس في قاموسه وقاموس إدارته شيء يذكر عن دولة فلسطينية حقيقية، إذ يراد حتى لخريطة الطريق أن تفصّل على قياس خطة شارون للفصل، وفي ظل الجدار العنصري الذي رفضته محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن ثبّتته إدارة بوش لأنه جزء من «الحقائق الساطعة على الأرض»، والتي يُراد للفلسطينيين أن يحدّقوا فيها ولا يتأملوا أو يتطلعوا الى أي امتداد من خلف هذا الجدار. لقد كانت أميركا بوش وبريطانيا بلير تتحدثان عن عرفات بأنه العقبة وأنه (خذل شعبه) لأنه رفض إسقاط حق العودة، ولأنه لم يخضع للشروط الإسرائيلية التي تعرض عليه إلغاء شيء اسمه الشعب الفلسطيني من لائحة المفاوضات... وستتحدثان بالطريقة نفسها عن أية قيادة ترفض المساومة على أدنى الحقوق المشروعة للفلسطينيين، لأن المطلوب من الفلسطينيين أميركياً وإسرائيلياً أن يوقّعوا صك الاستسلام ليحصلوا على مسمى الدولة الذي لا أرض فيه ولا سيادة ولا استقلال، بل كونفيدرالية فلسطينية أردنية في أحسن الحالات تخضع لشروط (الترانسفير) التي حددها شارون مسبقاً».
وختم إجابته بقوله: «لذلك، فإننا نقول للشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي أثبت للعالم أنه يستحق الدولة لأن الأرض أرضه، ولأنه الحاضر دائماً لكي يقدّم أغلى ما عنده في سبيلها وعلى طريق مرضاة الله في ما هي حقوقه المشروعة... إننا نقول له: لقد أسقطت التطورات الأخيرة - على ما فيها من مأساة - حجة أميركا والمخادعين من حلفائها في الغرب، وليس أمامك إلا أن تواصل الجهاد والنضال في طريق ذات الشوكة، لأن الدولة تصنعها سواعد المقاومين لا شعارات المتأمركين ولا خيارات المستسلمين، ولأن الانتفاضة أكدت للعالم أنه لا يمكن لأية قوة مهما كبرت أن تسقط إرادة شعب، وخصوصاً إذا كان بمستوى الشعب الفلسطيني. لقد قطع الفلسطينيون شوطاً كبيراً في الجهاد، وبقيت أمامهم أشواط أخرى، وعلى الأمة ان تعينهم سياسياً وجهادياً واقتصادياً، والخيانة كل الخيانة تكمن في خذلان هذا الشعب الحي أو التعامي عن نصرته ومساعدته»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ