كأنه متاهة المأوى، ذهابك أعزل من الجهات وتذكّر الملامح... تنام على ندم وتصحو على ندم شقيق... ليست هي الخرائط التي تأخذ بيدك إلى مأواك المرتقب أو المزعوم... ليست قدماك عيناً لحدود ذلك المأوى... ثم انها ليست العين التي تحدد أبعاده وزواياه وجهاته وسعته... انه إحساسك بضرورة التلاؤم أو التآلف مع هواء وضوء وحتى وحشة المكان/ المأوى الذي أنت بصدده... فقط عندها يكون لك أكثر من مأوى وإن لم يظلك سقف، ولو كان الماء هو ترابك التي تسعى عليه.
***
في أول الليل يكون الحنين إلى مأوى ينعش الروح ويخرجها من متاهاتها الكبرى... خليطاً من الوجع والغواية... ضرباً من رياضة التعفف... أن لا تسأل الناس أمكنة تتفقد فيها حواسك وتمارس فيها مراوغتك تحت انكسار ظلالها... أو صراحة ضوئها... كأنك منذور لانفعال في الذروة من درجته... ولكنه لا يجئ... إذ متى ما حدث ذلك تكون قد دخلت في مأواك الذي تظل تهرب منه!
***
لغز هو المأوى الذي لا يجئ ... ولغز هو المأوى الطارئ على روحك ووقتك وأعصابك وصحوك ونومك... لغز لا يستريح ولا يكف عن بذر غموضه وإخفاء أبوابه ومواراة النوافذ المطلة على الحركة في الخارج... والذين بلا مأوى تظل رحابة المسافة والسعي... مأواهم المتحرك الذي يبدل جلده وطقوسه ومناخاته وبشره واشياءه وأوقاته.
***
ثلاثة مآوٍ تدفع المرء لتذكر الأجنحة... يجنح فيها نحو الصعود وبلغة احتجاج لا تقول كلاماً سوى الايماءة... إذ تأخذ اليد مكان اللسان... مأوى الماء ومأوى النار ومأوى الهواء... مأوى الماء في طغيانه والنار في تسجّرها... والهواء في غيابه... على رغم ان الثلاثة من مقومات الحياة... ولكنها في أوقات تصبح من مقطعات أوصال تلك الحياة!
***
وفي مآو ثلاثة أخرى: الرحم، الأرض، القبر، تتبدّى مفارقة... في الأول وحدة وفي الثالث وحدة... وبينهما ضجيج مأوى الأرض. يعلن الإنسان احتجاجه صراخاً ساعة الخروج من المأوى الأول... احتجاجاً على تخريب طمأنينة واستعداد للدخول في حفلة زارٍ ستلازمه حتى ما قبل ولوجه إلى وحدته/ عزلته الأخرى
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ
