لكل إنسان منا مبادئه الملتزم بها، وسواء كانت هذه المبادئ خيرة أم شريرة فإنها تظل في عين صاحبها أسمى من أية مبادئ أخرى يتبناها الآخرون، ويكفيه أنها بصنفيها تندرج تحت مسمى واحد هو (مبادئ)!... وفي ضوء تلك المبادئ تتحدد شخصية الإنسان التي تنعكس من خلال جملة من السلوكيات والتصرفات والأفعال التي يتبناها وقد يختص بها تحديداً دون سواه أو مع نفر من أمثاله.
وإن كنت واحداً من الذين يهوون، بل لديهم مهارة اكتشاف شخصية الناس ومعدنهم وددت أن تنمي هذه المهارة فما عليك إلا بالتوجه إلى الطريق... ففيه تجد كوناً بكامله مختلف الفئات والجنسيات وفوق ذلك التصرفات التي تنم عن شخصية صاحبها كما يقال دائماً... وإليكم جملة من مذكرات شاهد طريق أظنه ساكناً فينا جميعاً، فمن أراد شهوداً على قضية ما من تلك فكلنا سنكون كذلك.
- في أحد الشوارع - ولن أحدده لكون المملكة تعج بأمثاله - وسواء عند الإشارة الضوئية أو في أحد المنعطفات أو التقاطعات غالباً - وخصوصاً في هذه الأيام - تواجه بطابور مكتظ بالسيارات، السير فيه شبيه بمشي السلحفاة إن لم يكن أبطأ، والكل متذمر وقلبه يغلي خوفاً من التأخر على أي موعد له ولاسيما موعد الدوام في العمل في الصباح الباكر إذ الكل حازم أمتعته للقيام بالرحلة اليومية التي وإن غير وجهتها أو بدل مساره للحاق بركبها أو حتى أقدم أو أخر في موعد خروجه من بيته ليبدأ بها فإن الزحام مصيره لا محالة والسلحفاة وراءه وأمامه!... في مزاحمة الصبر للتذمر في هكذا مواقف تواجه بمن يصعد الرصيف أو يتجاوزك من أبعد مكان ويدخل في المسار الأيسر كي ينعطف عليك فجأة وأنت في المسار الأيمن ليتجاوز بذلك وفي غضون لحظات ساعات طويلة قضيتها أنت كونك ملتزماً بإرشادات المرور وأبيت على نفسك تجاوز من سبقوك والتزمت الصمت والرضوخ لمشيئة القدر والزحام ولا أنك تطغي على حقوق غيرك!... مواقف كهذه لا شك في أنها تفقع مرارة أي صابر ملتزم فلا يملك إن لم يبغ «الهواش» غير مناشدة رجال المرور الأفاضل التصدي لمثل تلك الممارسات المشينة والوقوف لهؤلاء بالمرصاد فهم أولى من غيرهم بتحرير المخالفات.
- في أحد أزقة مدينة حمد - أو دوارات مدينة حمد كما يحلو للغالبية تسميتها - وتحديداً في أيام الدوام المدرسي إذ غالبية الآباء يعقدون اتفاقاً مع أحد الأشخاص رجلاً كان أو امرأة يتعهد فيه بتوصيل أبنائهم من وإلى البيت والمدرسة سواء في سيارة «صالون» خاصة أو في حافلة ركاب صغيرة... ولكن للأسف فإن البعض من هؤلاء السواق لا يعرفون حجم الأمانة التي بين أيديهم، وربما تجاهلوا في زحمة انشغال أذهانهم بتوصيل «عبرية» بأقصى سرعة لأخذ «عبرية» غيرها وربما ثالثة ورابعة والله العالم... أن تلك الأمانة التي بين أيديهم (أرواح أطفال أبرياء)!... ولا أخفيكم أمرا أني تعجبت لموقف امرأة من هؤلاء السواق منظرها يوحي بأنها في الأربعينات من العمر، صادفتها كذا مرة وليست مرة واحدة وهي تسوق السيارة بأقصى سرعة ووسط الأحياء السكنية وليس الشارع العام حتى كادت تدهسني في مرة وغيري في مرة أخرى... لكن الأفظع من ذلك منظر طفل خرج بنصف جسمه من نافذة الحافلة وتلك المرأة في سرعتها الجنونية التي تعجز إزاءها حتى عن النظر إلى إشاراتنا التي نلوح بها للالتفات إلى هؤلاء الأطفال متجاهلة كل الذين أمامها ومعها!... ولا نعلم ما الرادع المناسب لتلك المرأة وأمثالها حتى من الرجال إن لم يكن دافع الأمومة أو الأبوة أحياناً والإنسانية أحياناً أخرى، وصون الأمانة في أحايين كثيرة رادعاً لهم ووخزة لضمائرهم التي أؤتمنت على (أرواح بريئة)؟!
- لا أعجب من أناس لم يحل لهم الوقوف بسياراتهم إلا عند «كراجات» بيوت الآخرين! تخيل نفسك عزيزي القارئ وأنت مستعد لخروجك في الصباح من البيت للحاق بعملك أو صادفك لا سمح الله أي طارئ في البيت يستدعي خروجك في أسرع وقت وإلا حدث ما لا تحمد عقباه فتسارع إلى فتح بوابة الكراج للخروج وإذا بسيارة غريبة لا تعرف صاحبها ولا إلى أي مكان توجه سادّاً عليك منفذ الخروج، ماذا سيكون موقفك؟!... ولو حصل ما نخشاه فعلاً ماذا سيكون موقف ذلك السائق وهو المتسبب فيه؟!... ولمَ نضع أنفسنا في مثل هذه المواقف التي تجعلنا نبكي ليل نهار؟ فلنفكر قليلاً ونضع أنفسنا موضع أصحاب البيت أو ذلك الكراج... وأظننا بهكذا تفكير سنكون قد ردعنا أنفسنا عن إيذاء الآخرين سواء بقصد أو من دون قصد... فقط ضع نفسك مكان غيرك وتصرف!
- أخيراً وليس آخراً، لابد لنا من ذكر شبابنا ولو أنهم أشبعوا تأنيباً وتعنيفاً مع كل ذكر للحركات الطائشة في الشوارع... ولكن التعنيف هذه المرة يأتي على ذكر كل وسائل الإزعاج التي وضعوها في سياراتهم (السبورت) حتى تتخيل نفسك مع مرور أي منها وكأنك في حفلة غربية صاخبة ولست في طريق عام أو حتى أنك تحلم في سريرك وفي أحلاه نوم لا أظنك بعد هذه الحفلة ستهنأ به أو تواصل فيه! والأغرب أن هذه الحفلات متواصلة على مدار السنة حتى في الأشهر الحرم!
تصرفات وسلوكيات لا نستطيع رصدها كلها في مساحة كهذه... تصرفات حملنا تبعاتها رجال المرور وغالباً ما نطالبهم بإيجاد الرادع والحلول في الوقت الذي لا نشك فيه أبداً بأن الرادع نابع من أنفسنا أولاً فإن تجاهلناه أو قبرناه لن توقظ ضمائرنا ولن نرتدع حتى وإن سلبتنا المخالفات المرورية الدراهم الباقية في جيوبنا أو غُيبنا في غياهب السجون لسنوات وسنوات... وهل بعد ذلك يحق لنا السؤال ألا هل من رادع؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ