تحولت الفلوجة إلى مقبرة جماعية، وما تقوم به القوات الأميركية من عمليات قتل وتدمير هو أكثر من حرب إبادة، ويرتقي إلى أعلى مراتب التطهير العرقي الذي لم نشهد له مثيلاً في أي مكان آخر في العالم. فالكرامة الإنسانية تنتهك في الفلوجة، وسط صمت عربي وعالمي مريب ومخجل، إذ لم نسمع عن دعوة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، ولم نسمع عن أي تحرك من قبل الجامعة العربية أو الأنظمة الأعضاء فيها للاحتجاج فقط، ولا نقول التدخل.
شاهدنا بأعيننا المدافع والصواريخ الأميركية وهي تهدم المنازل فوق رؤوس أهلها. وشاهدنا أيضا الجثث تغطي الشوارع، وما سمح لنا بمشاهدته هو بمحض الصدفة، لأن قوات الاحتلال تمنع الأطقم التلفزيونية من نقل الحقيقة، وتفرض قيوداً مشددة على الصحافة ومراسلي وكالات الأنباء. ما يجري في الفلوجة هو مجزرة انتقامية من أبناء هذه المدينة الذين رفضوا الاحتلال، مثلما رفضوا الحكومة، وإلا ما معنى قصف المستشفيات، وسرقة معداتها، ومنع قوافل الإغاثة الطبية والإنسانية من دخول هذه المدينة الصامدة؟ نكت أطلقها المسئولون الأميركيون «اتخذنا الاحتياطيات لمنع وقوع ضحايا مدنيين»، بأي عقلٍ بتنا ونحن مازلنا نصدق كلام محتل جاء لينهب خيرات بلد عريق، ثم ما يعني لنا ما عرضته على شاشات التلفزيون لجندي احتلال يقتل جريحاً مستغيثاً، أكان جزءاً من فليم رعب، أم كان رسالة توضح النكتة للعالم، وللعرب خصوصاً، كون استيعابنا بطيئاً؟!
لماذا هذا الصمت على الجرائم الأميركية؟ ثم أين «الدكتور» إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الذي وصل إلى الحكم عبر ذريعة المقابر الجماعية وحرب الإبادة الصدامية، أين الطبيب ليداوي ما أفسدته العيادة؟! نسأله عما إذا قرأ قصة ذلك المواطن العراقي الذي شاهد طفله ينزف حتى الموت ولم يستطع نقله إلى المستشفى، لأنه لا توجد مستشفيات أولاً، ولأن الخروج من باب البيت والبقاء فيه باتا سيان يعنيان الموت؟
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ