اليوم سقطت ورقة التوت وبان المكشوف. لم نكن في يومٍ من الأيام نفكر في أن نضعف إدارة الأوقاف الجعفرية، وكان هدفنا هو الإصلاح... دعونا القوم ورحنا نصرخ كل صباح يا سادة، يا مجتمع، يا علماء، تعالوا نشترك مع «اللجنة الشعبية للدفاع عن الوقف» لنرصد التجاوزات، نصحح الأمر بعيداً عن التصريحات العامة أو الكلام في المطلق، هناك مستندات، هناك وثائق، هناك ملايين من الدنانير، عشرات العقارات، لكن بعضاً من إخوتنا انشغلوا وينشغلون في محرم الحرام في قضايا وإشكالات تضحك الثكلى... أي مأتم يبدأ قبل الآخر، أي الخطباء يُبكي الناس أكثر من غيره وتنفجر هناك معركة في إدارة مأتم وفي مأتم آخر تحدث حال طوارئ على معارك وهمية... نتعارك على السنبلة والبيدر بلا سياج ومرهون للرياح. يا علماءنا الأفاضل، يا آباءنا الأوفياء، ملعبنا الحقيقي حسينياً في هذا الوقت هو تحريك ملف الأوقاف عبر آليات عملية مدروسة و«لجنة الوقف» مستعدة للتنسيق مع المجتمع ومع مؤسسات المجتمع المدني. اليوم ها أنتم ترون بأم العين تقرير ديوان الرقابة المالية الذي أصدره عن حقيقة ما جرى وما يجري في الأوقاف الجعفرية وبقية المؤسسات، وهنا نهيب بديوان الرقابة ونشكره على هذا التقرير الذي يثبت أن المشروع الإصلاحي مشروع جاء لتصحيح أوضاع التجاوزات والفساد في الوزارات. وهي بداية صحية نتمنى أن تستمر بتغيير مجلس الإدارة وبإعادة ترتيب الأوقاف. نعم إن الخطوات المدروسة التي اعتمدتها اللجنة الشعبية للدفاع عن الوقف «بدأت تؤتي أكلها، وها نحن نحصد بعض ثمار التعب والليالي المؤلمة من السهر ودور كل الكتابات التي ساهمت في إظهار الحقيقة ولم تعبأ بكل الإشاعات التي حاولت أن تحرف الرأي العام عن حقيقة جوهر الأزمة في داخل إدارة الأوقاف الجعفرية. لن أضيف كثيراً، سأعمد إلى طرح بعض الحقائق والتعليق على بعضها، وبين يديكم في الصحيفة التقرير كاملاً.
جاء تقرير ديوان الرقابة المالية بعد مضي عدة أشهر من دخوله إلى إدارة الأوقاف الجعفرية وبعد عمل بالتدقيق والتفتيش والفحص بالآتي:
أ- عدم وجود سياسة واضحة وموثقة لإدارة واستثمار الأوقاف العقارية، التي يبلغ عددها 2,380 عقاراً، وتفوق إيرادات إيجاراتها 2 مليون دينار سنوياً. وذكر التقرير الرسمي أيضاً نقطة كنت طرحتها مراراً، وها هي اليوم بين أعين القراء، وقد أقرت رسمياً من مؤسسة رسمية (ديوان الرقابة): «لم يتم تجديد عقود تأجير 165 قطعة أرض بسبب الخلاف مع المستأجرين على قيمة الإيجار. وقد توقفت الإدارة عن تحصيل الإيجارات المستحقة على تلك الأراضي والتي بلغت حتى ديسمبر/ كانون الأول 2003 نحو 100 ألف ديناراً». واعترفت إدارة الأوقاف في ردها على التقرير بذلك (موجود الاعتراف في داخل التقرير ص 61)، تقول الأوقاف: «لوحظ عند مراجعة تقارير العقارات الصادرة عن قاعدة البيانات، وجود 165 قطعة أرض انتهت عقود تأجيرها ولم يتم تجديدها من قبل الإدارة... وتعود تواريخ انتهاء عقود بعض تلك الأراضي إلى العام 1997م».
يتحدث التقرير عن وجود 30 قطعة أرض مستغلة من قبل أشخاص من دون عقود إيجار، ما يعتبر تعدياً على الأوقاف، ولم تتخذ الإدارة الإجراءات القانونية بهذا الشأن. التقرير يقول «مما يعتبر تعدياً على الأوقاف»، وهنا يأتي السؤال: ألا تعلم الإدارة بذلك؟
وأضيفت إلى التقرير معلومات أخرى: «هناك عقود لأعضاء سابقين تم توقيعها من قبل العضو ذاته، فهو المؤجر وهو المستأجر، وإلى الآن هذه العقارات بحوزتهم. السؤال: أين هي الحكومة من كل هذه العقود؟
قال التقرير: «هناك 600 قطعة أرض غير مسجلة»، وهنا نوجه سؤالاً إلى الحكومة... لماذا الحكومة إلى الآن لم تقم بخطوات وبإعطاء ضوء أخضر لتسجيل هذه الأراضي، علماً بأن هناك أراضي أخذتها الحكومة عبر وزاراتها، ولم تقم بتعويض الأوقاف الجعفرية عنها.
أقر التقرير أيضاً «بوجود بعض الأراضي المؤجرة بأسعار متدنية جداً مقارنة بمساحتها ومواقعها، وأرجعت الإدارة تدني أسعار إيجار تلك الأراضي إلى كونها أراضي غير مسجلة في التسجيل العقاري، وبالتالي عدم تمكن مستأجريها من تنفيذ أية مشروعات عليها» هذه هي حجة الأوقاف، والتي ترفعها في كل مكان، لكن ولله الحمد، جاء التقرير ليرد على هذا التبرير، فيضيف قائلا: «إلا أن تقارير الإدارة تبيّن تأجير بعض الأراضي بأسعار متدنية على رغم أنها مسجلة في التسجيل العقاري». وهنا نقول: ما رد كل الإدارات السابقة والحالية على هذه النقطة بالذات؟ لماذا تؤجر بعض الأراضي بأسعار التراب على رغم أهمية مساحتها ومكانها، وعلى رغم أنها مسجلة؟ ما رد الإدارة على تقرير ديوان الرقابة الذي أثبت صدقيته وصدقية شعاره لتصحيح وإصلاح الوزارات؟
الآن اقتربنا من مربط الفرس، وإلى نقطة من أهم النقاط وردت أيضاً في التقرير، إذ يقول التقرير : «هناك عقارات مؤجرة على بعض أعضاء مجلس الإدارة الحالي والسابق بأسعار متدنية جداً، وعلى رغم ذلك لم يلتزم الأعضاء بتسديد الإيجارات عند استحقاقها، وبلغ رصيد هذه الإيجارات المستحقة 14 ألف دينار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003» ويعلق التقرير على ذلك، قائلاً: «الأمر الذي يعكس وجود تضارب في المصالح بين مهماتهم ومسئولياتهم باعتبارهم أعضاء في مجلس الإدارة، وكونهم مستأجرين».
إذاً، ما كتبناه لم يكن إثارات صحافية، وان المستندات التي رجعنا إليها لم تكن مستندات غير حقيقية. ماذا ستقول إدارات الأوقاف السابقة والحالية؟ وهنا أحب أن أضيف إلى التقرير معلومة إضافية: إن هناك من الأعضاء السابقين من بلغ عدد العقارات التي تأجرها ما يربو على الـ 18 عقاراً، وبعض أسعارها بقيمة التراب. بعض الأعضاء يستأجرون عقارات والبعض أراضي والبعض مزارع على شارع البديع وغيره، وبأسعار زهيدة وبعد مرور 20 عاماً، تم أيضاً التجديد لهم، وهناك أبناء لأعضاء احتكروا استئجار العقارات بمبالغ زهيدة. السؤال: أين هي الإدارات؟ أين هم المسئولون في داخل الوزارات عما يجري وعما جرى للأوقاف الجعفرية؟
أزمة الأوقاف الجعفرية ليست هي الوحيدة التي يشير اليها التقرير، فالأوقاف السنية عليها المؤاخذات الكثيرة، كما على دوائر أخرى عشعشت فيها الممارسات غير الصالحة، وديوان الرقابة المالية فتح الباب للاصلاح بعد ان كشف ما كان معلوما لكثير من الناس ولكنه لم يكن موثقا بصورة رسمية. الاصلاح يعني الشفافية والشفافية تعني المراقبة وبعد المراقبة تأتي المحاسبة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ