العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ

اتركوا النواب وشأنهم!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

قبل أكثر من عامين، شهدت البحرين حوارات ونقاشات ساخنة عن طبيعة مجلس النواب، وتصاعدت الخلافات بين من يدعون إلى المشاركة في الانتخابات وبين من يدعون إلى المقاطعة، وكل لديه أسبابه. وبين المشاركين والمقاطعين تاهت الكثير من الحقائق وضاعت الكثير من الحقوق والمطالب، لأن الجميع انشغل في إثبات وجهة نظره وكسب المناصرين لها.

لقد تحول المجلس النيابي، إلى موضوع في حد ذاته، وانبرى الكثير من الكتاب والصحافيين والسياسيين إلى الكتابة عن المجلس، حتى خيل لكثير من المواطنين أنه وبمجرد الاتفاق على صوابية أو خطأ الموقف من هذا المجلس فإن المشكلات كافة ستحل وتزول كل العقد وتلغى جميع الخلافات.

وفي اعتقادي أن الجميع قد أعطى لهذا الموضوع أكثر من حجمه، في حين تراجع الاهتمام بمواضيع أخرى لا تقل حساسية عن المجلس إلى مراتب دنيا، حتى لم تعد تحظى بأي ذكر في الصحافة، إلاّ النزر اليسير الذي تكفلت به بعض الأقلام من أمثال سيدضياء الموسوي، الذي بُحّ صوته وهو ينادي «أنقذوا الأوقاف»، «افتحوا ملف التمييز»، «حاربوا الطائفية».

لكن كثيرين وعلى رأسهم المعارضة أعطوه أذناً من طين وأخرى من عجين، على رغم أن مستوى الفقر في بلادنا إذا بقيت الأمور على حالها قد يوصل بعض الأسر إلى المستوى الذي لا يجدون فيه طيناً يبني لهم مأوى، ولا عجيناً يطعمون به أبناءهم. وكما يقول المثل الشعبي «تنفخ في قربة مثقوبة»، ولأن الناس مشغولون بمجلس النواب، نراهم جميعاً يتابعون موضوع التأمينات الاجتماعية، على هيئة مسلسل من 30 حلقة، لكنه يعاد 3 مرات يومياً، تماماً كوصفة طبية أو دواء مسكن للألم، ثم بعد ذلك يبدأ عرض المسلسل الجديد عن قضية الجمارك، ثم نطالع على صدر صحفنا الغراء قضية نانسي عجرم التي تعبت وهي تردد على الجميع دعوتها إلى الوسطية والاعتدال، حتى انقطم وسطها لكثرة ما تمايلت على أنغام موسيقى النص نص.

وقبل أن يفيق الجمهور من متابعة قضايا المكافآت المالية التي أجزلت العطايا لأعضاء مجلسي النواب والشورى، انشغلنا جميعاً بمشروعات قوانين ورغبات بمشروعات جامحة وطموحة، لكنها جميعاً من النوع الذي ينطفي عند أول ضوء للنهار، وكأنها من فصيلة الخفاش أو الطيور الليلية التي لا ترى النور أبداً، فإذا أجبرت على ذلك وضعت خمس أصابعها على أعينها لتحجب نور الشمس.

مالنا ومجلس النواب؟ أليست هناك مواضيع أخرى نتحدث عنها، دعوا مجلس النواب يتحدث عن نفسه، دعوا أعضاءه يوصلونه إلى حيث يريدون، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث! يعتقد الكثير من أعضاء مجلس النواب أنهم مغبوطون ومحسودون لنجاحهم في الوصول إلى المقاعد البرلمانية، بعضهم قد يعتقد أنه أصبح ممن يديرون الكون، وبعضهم قد يعتقد أن صباحاً لن يشرق على الكون إن لم يطلق تصريحاته النورانية التي تستبق شروق كل شمس! حسناً، ليكن ذلك. ما هو الفرق بين أن نرد عليه أو لا نرد؟ هل سيتأثر شروق الشمس لذلك؟

مجلس النواب الآن يتعرض لحصار من الحكومة، فبعد سنتين قضاهما في تقديم الاقتراحات والرغبات، لم تجد في اقتراحاته أي جدوى، ولم تجد في رغباته أي إغراء، ربما لم تكن هذه الاقتراحات والرغبات على درجة مناسبة من الجمال والتناسق تتطابق مع المواصفات المطلوبة! ربما كانت غير المقياس والمقاس الملائم، قد تكون درجات حرارتها وفق مقياس ريختر بينما الحكومة تقيس الأمور بالدرجات الفهرنهايتية، في هذه الحال فإن الأمر لا يعدو خطأ في استخدام الأجهزة والمقاييس المناسبة! دعونا ننتظر ونرى...

في السنوات الماضية كانت الحكومة تصدر سنوياً ما لا يقل عن 20 قانوناً، وعلى رغم ذلك كانت كثير من القوانين والتشريعات بحاجة إلى مراجعة وتجديد، لكنها تنتظر أن يتفرغ المشرع من صوغ القوانين الجديدة الأكثر إلحاحاً، ويبدو أن الحكومة قد أخذت من التدابير ما يكفي لمثل هذه الظروف، حتى لا يقال إن درجة اهتمامها بإصدار القوانين قد تراجعت، فلقد أصدرت قبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب حزمة من القوانين (56 قانون) التي لم تكن في حاجة إليها في ذلك الوقت، وربما لا نحتاج إليها في المستقبل القريب، وقد لا نحتاج إليها مطلقاً، لكنها قامت بعملها على أكمل وجه! أوليس من مهمات الحكومة أن تؤسس الاحتياطات وتضع الضمانات المناسبة على جميع الأصعدة؟ هل تبرع أحد من السياسيين أو المواطنين بشكل عام بشكر الحكومة على هذه الاحتياطات العظيمة؟ يبدو أننا شعب قد ضعفت ذاكرته، أو ربما هو من النوع الذي يحب أن يتناسى قليلاً، ربما بحكم تكوينه المتسامح نظراً إلى تعدد الأعراق والمذاهب والأديان والثقافات أو لا ينطبق علينا ما ينطبق على المجتمعات السواحلية باعتبارنا من أهل الجزر الذين عادة ما يكونون منفتحين على الآخر، متفائلين حتى النفس الأخير. هل يريد أحدٌ منا أو يتوقع أن يقوم مجلس النواب بدور أكبر مما يقوم به؟ كيف يمكن ذلك؟

لقد بذل النواب أكثر ما يستطيعون من جهود، وقدموا أقصى ما في جعبتهم من أفكار واجتهادات، وكما نعرف جميعاً فإن «من اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران» فلماذا نريد أن نحرم النواب حتى هذا الأجر القليل، أجر الاجتهاد؟!

مجلس النواب هذا الذي ننتقده كل حين وساعة هو نتاج واقعنا نحن، نتاج خلافاتنا واختلافنا في ترتيب الأولويات، لذلك لا يصح أن نسكب عليه كل صباح زيتاً مغلياً، لأن الزيت المغلي قد يحرق المظهر، لكنه لن يغير من الجوهر شيئاً! نحن من ساهم في وصول هذه التشكيلة من الأعضاء إلى مجلس النواب، مشاركين ومقاطعين كلنا في الفضل سواء، لا فرق في تحمل المسئولية، فمن شارك في الاختيار أثبتت الأيام أن اختياراته لم يحالفها الصواب على الدوام، ومن قاطع الانتخاب وضع «هذا الباب على هذا الخراب».

لماذا إذاً هذا اللوم وهذا البكاء والعويل على اللبن المسكوب، طالما نحن لم نشارك في اختيار البقرة أصلاً ولم نقم بتربيتها أو تقديم الطعام لها، وتركناها تهيم على وجهها في صحراء ليس فيها سوى الوحوش الضارية والمطبات المؤذية، تماماً كما فعل الكثير منا مع مجلس النواب الذي تركناه مفتوحاً لكل من هب ودب، فبعد سنوات من النضال والمطالبة ورفع شعار «البرلمان هو الحل»، نجعل بابه مشرعاً لكثير ممن لا يمتلك الخبرة والكفاءة، وربما الإرادة لاتخاذ موقف حاسم.

كما تكونوا يول عليكم، هكذا كنا إذاً، فلماذا لا نترك مجلس النواب يواجه مصيره بنفسه؟ بعض أعضاء المجلس يسبِّحون بحمد الحكومة كل صباح، وبعضهم يتوارى عن الناس قليلاً بلا حول ولا قوة، والبعض الآخر يناطح الجبل حتى ينفذ صبره. حسناً دعوهم يعرضون بضاعتهم كما يريدون، وتعالوا بنا نتفرغ للملفات الأخرى التي لم يستطيعوا فتحها، أو فتحوها فلم يتمكنوا من مواصلة الطريق، لأنهم لم يعتادوا غير طريق الورود والرياحين ربما! هذا إن وجد أصلاً طريق مفروش بالورود.

اتركوا النواب وشأنهم وتقدموا إلى الميدان، فهناك من الأثقال والأحمال ما لا يستطيع أحد بعينه أن يحمله، يكفي أن ننظر إلى ملفات الفساد المالي والإداري ونبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، هل هناك فساد أو فاسدون؟ من هم وكيف يمكن مواجهتهم؟ هل هناك تمييز؟ لماذا يوجد؟ وما الأسباب التي تجعله ينمو ويترعرع من دون حسيب أو رقيب؟ أين تعشش الطائفية ومن يزرعها ويغذيها ويتمصلح من ورائها؟ أين توجد المحسوبية والواسطة البغيضة التي تحرم البلد من الكفاءات وتضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب؟

سؤال كبير وأخير: هل يعقل أن تنال دولة ما استقلالها قبل أكثر من 35 سنة، ثم تبني مؤسساتها واحدة إثر أخرى، تذهب وزارة وتأتي أخرى، يذهب وزير ومدير ومسئول ثم يأتي آخرون مكانهم، لكن أحداً لم يقدم للمساءلة بتهمة الفساد الإداري أو المالي أو حتى الإهمال والتقصير الوظيفي، إذا كان ذلك ممكناً حقاً! فإن معناه ببساطة أننا في دولة يسكنها الملائكة!

أخيراً اتركوا النواب وشأنهم ... لأن اللي فيهم يكفيهم! والله أعلم

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً