العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ

الحياة الدستورية... «صحيفة المدينة» مثالاً

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لا شك في أن المطلب الدستوري في أي بلد كان وفي أي زمان، كان ولايزال مطلباً أساسياً، فمن دونه تتحول الحياة إلى حكم الأهواء، وتحديداً أهواء من بيدهم السلطان. وكلمة «دستور» كما تكرر كثيراً من أصل فارسي، وتعني «قواعد اساسية»، والإيرانيون يستخدمون الكلمتين العربيتين «قانون أساسي»، بينما يستخدم العرب كلمة «دستور» ذات الاصل الفارسي.

على أن «صحيفة المدينة» التي شرعها رسول الله (ص) في يثرب تعتبر من أفضل النماذج الدستورية. فالرسول (ص) دخل يثرب وشرع في تدشين ثلاثة أمور بصورة مباشرة. فأول شيء قام بتحديد مكان للمسجد النبوي الذي تم بناؤه وأصبح مركزاً للدين والدنيا، للحكم بين الناس وللدفاع عن المدينة. الشيء الثاني الذي قام به هو إعلان «المؤاخاة» بين المسلمين من المهاجرين (الذين جاءوا إلى يثرب مع الرسول من مكة) والأنصار (أهل يثرب الذين أعلنوا إسلامهم من قبيلتي الأوس والخزرج). والشيء الثالث الذي عمله الرسول (ص) هو كتابة «صحيفة المدينة» لتنظيم العلاقات بين جميع من يسكن يثرب، من المسلمين الأنصار والمسلمين المهاجرين والقبائل اليهودية والنصرانية وحتى غير المؤمنين بأي دين.

صحيفة المدينة (دستور الدولة الجديدة الأول) استمر قرابة ثلاث إلى أربع سنوات وانتهى مع غزوة الخندق، لأن أحد أطراف الاتفاق (يهود يثرب) خالفوه وحاولوا مساعدة مشركي مكة في غزوهم للمدينة المنورة. وبعد ذلك نزلت الآيات القرآنية بشأنه التي ألغت ما عاهدهم الرسول (ص) بسبب نقض العهود.

قبل أن يتسبب يهود يثرب في إلغاء الدستور الأول للمدينة المنورة، كانت الصحيفة أرقى أنموذج حضاري استمرت مبادؤه لاحقاً في أرجاء الدولة الإسلامية ولكن بأشكال أخرى، وبعضها انتقص منه بسبب ما جرى من حروب أهلية إسلامية وحروب مع الأعداء الخارجين.

صحيفة المدينة أقرت بمساواة الجميع أمام نصوصها، وهي لم تعترف بالطبقية أو التراتبية، وذكرت جميع القبائل اليهودية ونصت على حقوقهم، كما ذكرت جميع الأصناف واحداً بعد آخر، وأعلنت أن الجميع مسئول عن الدفاع عن المدينة المنورة أمام أعدائهم، ويحصل الجميع على حرياتهم الدينية والمدنية حسبما كان يسري بينهم. وبما أن العدو الأول آنذاك كان مشركي مكة، فقد اعتبر أي اتصال بهؤلاء الأعداء نقضاً مباشراً للصحيفة وإلغاءً للعهود، وهذا ما حدث لاحقاً مع يهود يثرب.

صحيفة المدينة كانت نصوصاً تنظم الشأن السياسي بين جميع أهل المدينة من دون تفريق، والصحيفة لها نصوصها التفصيلية المتعلقة بيثرب فقط، ما يعني أن الاتفاق السياسي بين مجموعة من الناس في مكان وزمان يتطلب أمراً ضرورياً. فقبل هذا الاتفاق ينبغي أن يحدث التآخي بين أصحاب المبدأ الواحد، والتصالح والتحالف مع الأطراف الأخرى التي تعيش ضمن الحدود الجغرافية التي يشملها الاتفاق (الصحيفة أو الدستور).

وعليه، فإن إقامة علاقات دستورية أكثر عدلاً تتطلب فيما تتطلب التآخي والتضامن والتوافق العام بين مختلف الأطراف لكي يقام على أساس ذلك كيان سياسي، يطلق عليه مسمى «الدولة». والدولة بذلك تصبح مؤسسة محايدة بين جميع الأطراف الموجودين ضمن سلطاتها وصلاحياتها، ولا يجوز لأي طرف أن يعتبر الدولة تابعة له، أو أن يقوم باستخدام وسائل الدولة لمصلحته الخاصة أو لمصلحة جماعته في مواجهة جماعة أخرى... وإلا فإن الدولة - اي دولة - تصبح غير عادلة وترتيباتها الدستورية لا تعود ذات قيمة إنسانية. اننا بحاجة الى العودة الى المبادئ الاساسية لتعزيز الحياة السياسية التي ترفع شأن بلادنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 804 - الأربعاء 17 نوفمبر 2004م الموافق 04 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً