سلطت الحلقة الأولى الأضواء على دور القطاع الخاص في إنجاح مشروع «تحرير سوق العمل» الذي طرحه سمو ولي العهد وحاولت تلك الحلقة التركيز على تسليط الضوء على النقاط المفصلية التي ينبغي على القطاع الخاص التركيز عليها - من منطلق الحرص على إنجاح هذا المشروع الجريء - من أجل الوصول إلى الصيغة النهائية الأفضل له.
الخطوة الأولى الصحيحة على الطريق الذي نتوخى ان يسلكه القطاع العام من أجل الوصول إلى ذلك الأفضل وفي أقصر وقت ممكن وبأقل الكلف والخسائر، هي ألا يعتبر المشروع ملكية خاصة به، وان يعتبره ملك البحرين بالمعنى الوطني الشامل لهذه الكلمة. فبهذا المنطق يضمن القطاع العام تحول القطاع الخاص من جبهة «المناكفة» إن جاز التعبير إلى جبهة المشاركة وانخراطه بكل أفراده ومؤسساته في مهمة تنفيذ المشروع.
على أن التحول في ذهنية القطاع العام عند التعاطي مع المشروع لا ينبغي أن تكون عبر التصريحات العنترية ولا الوعود الوردية، إذ لابد لها، ان هي أرادت أن تجد الأذن الصاغية من القطاع الخاص، أن تبادر إلى اتخاذ الخطوات الآتية:
1- إشراك جدي للقطاع الخاص في تنقيح المشروع: والإشراك هنا ليس المقصود منه إرسال قسائم الاستبيانات لتلقي الإجابات، أو اللقاءات المتناثرة الضيقة النطاق مع مجموعة مختارة من القطاع الخاص، ويلي ذلك الدعوة للمشاركة في حلقات نقاش سريعة أو ورش عمل متباعدة وذات مسئولية ضيقة وفي أحيان كثيرة غامضة بعد الانتهاء من صوغ الدراسة النهائية للمشروع. فعلى رغم أهمية بل وضرورة كل تلك الأنشطة، فإن الإشراك الجدي كان ينبغي ان يكون في المراحل الأولى من التفكير في تحرير سوق العمل. حينها كان بوسع القطاع الخاص أن يضع تصوراته في الجوانب كافة: الفرضيات النظرية، مجالات جمع البيانات، طرق جمع البيانات، أساليب التحليل، الجوانب الاجتماعية والحضارية التي ينبغي مراعاتها...إلخ.
2- إطلاع القطاع الخاص على الدراسة: فطالما لم يتم ذلك الإشراك في المراحل المبكرة من وضع المشروع، ولكي لا يتحول النقاش من البيئة التكاملية إلى البيئة التصادمية التي لن يكون حصادها سوى المزيد من الخسائر لكل الجهات المخلصة للعمل من أجل انتشال سوق العمل البحرينية من الحال المزرية التي يعيشها منذ أكثر من ثلاثين سنة... من أجل كل ذلك ولتحقيق الاستفادة القصوى مما تكبدته البحرين من مبالغ باهظة من أجل إنجاز هذه الدراسة، التي يفترض أن تكون اليوم ملكا للبحرين، من الأفضل - بل من الحق الشرعي لجهة مثل القطاع الخاص، وتحديداً غرفة تجارة وصناعة البحرين - الإطلاع على هذه الدراسة من أجل مناقشتها بشكل جدي مسئول راغب في التوصل إلى نتائج تكون انعكاساتها إيجابية على الأطراف كافة ذات العلاقة بسوق العمل.
3- القبول بالملاحظات والاقتراحات الصائبة: فسنة الكون تقول إن ليس هناك مشروع يولد كاملا. وان مهمة الأطراف المسئولة عن أي مشروع استراتيجي مثل مشروع تحرير سوق العمل إشباعه نقاشا وتنقيحا كي يتخلص من الشوائب العالقة به كافة - وهي حال طبيعية تواكب كل مشروع بهذه الضخامة والشمولية - كي يدشن وهو في أفضل صورة ممكنة لدى الأطراف كافة. ونقطة الانطلاق في الوصول إلى هذه الحال الصحية هي أن يقبل القطاع العام بوصف كونه من طرح المشروع أن يصغي بشكل مسئول لكل ما قيل بشأن هذا المشروع وأن يمعن النظر في الملاحظات الجدية الإيجابية التي طرحت بشأنه وأن يأخذ بالمقترحات البناءة التي قدمت لتطويره.
ومن الطبيعي - في سياق مثل هذه الخطوات وفي نطاق آلياتها - ان تبرز الحاجة إلى لجنة مشتركة بين القطاعين الخاص والعام تكون مهمتها الرئيسية ضمان الوصول بسفينة المشروع إلى بر الأمان.
ونظرا للعقدة النفسية التي تتحكم في ذهنية المواطن العربي من تشكيل اللجان، فهي مرتبطة بشكل تلقائي وربما غريزي بالرغبة في قتل المشروع أو تنفيذه على النحو الذي هو عليه، نأمل أن تكون هذه اللجنة من طراز جديد مختلف تضع في حسبانها ضرورة البدء بخطوات عملية من أجل إنجاح المشروع وبأفضل الصور وعبر أقصر الطرق وأكثرها سلامة.
لذلك فمن الضرورة بمكان أن تكون هذه اللجنة لجنة عمل وليست لجنة تحاشي العمل او التهرب منه. ولضمان نجاح عمل اللجنة ينبغي توفير عناصر ذلك النجاح من خلال:
1- تشكيل كفوء متكامل متجانس وفعال: لابد ان يجري اختيار أعضاء هذه اللجنة من الأطراف ذات العلاقة بسوق العمل كافة: القطاع العام، الشركة الاستشارية، أرباب العمل، كفاءات أكاديمية محلية، ممثلون عن العمال. مثل هذا الطيف المسئول قادر على ان يضع المشروع على مشرحة التنفيذ المباشر الأكثر ملاءمة لتحرير سوق العمل البحرينية وبأقل الخسائر.
2- صلاحيات للجنة تبيح سرعة الإنجاز: فمن الطبيعي والضروري أن تتمتع هذه اللجنة بصلاحيات تبيح لها تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في اجتماعاتها. هذه الصلاحيات لابد، أن أريد لهذه اللجنة النجاح ومن ثم للمشروع الانتقال من مرحلة الدراسة إلى مرحل التنفيذ، أن تتجاوز كل العقبات التي يمكن ان تضعها في طريقها بيروقراطية القطاع العام ودهاليزه. ليس المطلوب أن تكون آليات تنفيذ قرارات هذه اللجنة تجاوزا للقوانين والأنظمة المعمول بها حاليا، فليس المطلوب الدخول في حال من الفوضى، لكن يجب التفتيش عن صيغة تضمن نزع فتيل كل ألغام القطاع العام التي يمكن ان تعثر مسيرة اللجنة او تنسف قراراتها.
3- قبول القطاع العام بالتغييرات: متى ما تشكلت اللجنة ينبغي أن يقتنع القطاع العام ان اللجنة وليست القطاع العام أصبحت هي الأب الشرعي للمشروع وليس أحدا سواها. ولذلك ينبغي أن تسود ذهنية التكامل بدلا من التنابذ بين اعضاء اللجنة. ونقطة الانطلاق هنا أن ينخرط الجميع بمن فيهم ممثلو القطاع في بوتقة اللجنة وأن يكون تفكيرهم منحصرا فيما يطرح من نقاشات على طاولتها بعد التخلص من كل خلفيات مسبقة ذات علاقة بالمشروع.
4- عدم الالتفات إلى الخلف: ولحظة تشكيل وفي أول اجتماع لها من المتوقع أن يمحو جميع أعضائها من ذاكرتهم، ومن ثم من تفكيرهم أية خلفيات ذات علاقة بتاريخ المشروع. من المؤمل أن يكون أعضاء اللجنة ورقة بيضاء يدون عليها ما يراه أعضاؤها مناسبا وصحيحا. فعلى ممثلو القطاع العام أن يتخلصوا من ذهنية الملكية الذاتية للمشروع والدفاع عما ورد فيه بشكل مطلق وبشكل متعنت، وعلى الآخرين أن ينسوا أنهم لم يشاركوا في المشروع منذ خطواته الأولى. على الجميع الانطلاق من نقطة واحدة ترى ان المشروع في طريقه للتنفيذ والمطلوب تشذيبه وتخليصه من النواقص كافة، هذه الذهنية هي الكفيلة بإنجاح المشروع وتقليص سلبياته.
وفي نهاية المطاف، كل هذه الاقتراحات أو التشكيلات تفقد مبرراتها بل وحتى جدواها ما لم ترافقها نوايا صحيحة اتخذت قرارا جريئا لا رجعة فيه هو: أن سوق العمل البحريني بحاجة إلى من يحرره من قيوده التي تأسره كي ينطلق نحو مستقبل واعد ومزدهر وأن مثل ذلك هي مهمة وطنية على كل الأطراف ان ينخرطوا فيها وأن يضعوا نصب أعينهم توفير كل الضمانات التي تكفل نجاحها. ولا يساورنا أي شك في وطنية الجميع كافة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 803 - الثلثاء 16 نوفمبر 2004م الموافق 03 شوال 1425هـ