إن كنت من أولئك الذين نووا الخروج في نزهة أو زيارة أو ما شابه وخصوصاً في أيام العيد الفائتة لا شك أنك أول الملاحظين لظاهرة الاكتظاظ والازدحام المروري المنفد للصبر... وبالنظر إلى الأبعد ستكون أول المستنتجين بأننا على وشك انفجار سكاني جل ضحاياه شباب لا يتجاوز 25 سنة، لم يجد مكانا آخر غير المجمعات التجارية التي تكاد أن تقع على رؤوس روادها لشدة الضغط عليها، إذ كأنها تحولت في تلك الأيام إلى علبة من علب الأطعمة المحفوظة مع الفارق في المحتوى... هنا أطعمة وهناك لحوم بشرية... والكل يعرف أن هذه العلب لو تعرضت لأي شيء مخالف لتعليماتها وشروط الحفظ فإنها من الممكن أن تفسد أو تصدأ أو تنفجر بحسب نوعية المحتوى... وهكذا حال تلك المجمعات!
فعوضا عن الازدحام المروري وخصوصا في منطقة السيف (وإن كنا لا نستثني شوارع البحرين ومناطقها عموما) والذي نأمل أن يفك قيده بعد الانتهاء من أعمال التعديل والترقيع والجسور المزعومة... عوضا عن ذلك ساهم الشباب في تلك المنطقة تحديدا في زيادة الطين بلة بمشاغباتهم ومهرجاناتهم الاستعراضية بسياراتهم (غير الشكل) وخروجهم على السيارات الملتزمة بالوقوف في طابور الازدحام والتزامهم بالإشارات المرورية التي أصبح وجودها وعدمه واحداً عند أولئك الشباب حتى تشعر بأن خروجك في تلك الليلة كان ضربا من الجنون ومغامرة صعبة تدعو الله أن تفوز فيها فترجع إلى البيت سالما معافى!
ومن جهة أخرى، حاول إلقاء نظرة خاطفة إلى جمع المطاعم التي يكاد عددها يفوق عدد المساكن وأصحابها... ماذا سترى؟... لحوم آدمية مكدسة على بعضها تكاد تفقد الهواء الذي تتنفسه ومع ذلك فهي لا تتوانى عن التهام أكبر حجم من الهمبورغر وشراب أضخم كأس من البيبسي والكوكا كولا! وتستغرب كيف أنهم استطاعوا قضم لقمة واحدة في ذلك الجو عديم الهواء عوضا عن دخان السجائر الذي أبى إلا مشاركتهم وجبتهم الدسمة الغنية!... وعند هذا المشهد لابد من طرح سؤال: إلى أي مدى بتنا نعتمد على الخارج حتى في غذائنا؟ وما الذي يسد جوع بطوننا أصلا؟ هل فردة تمر وقطعة لحم وزبدة وكوب حليب ولبن من أبقارنا المحلية بالإضافة إلى خبز من مطاحننا وخضراوت لا تخلو مزارعنا منها، أم أن الهمبورغر باتت جزءا لا يتجزأ من طعامنا ولا غنى لنا عنها أبدا؟! وإن كان الحال كذلك مع الهمبورغر فأين نحنا من دعم المنتج الوطني الذي سيسهم بلا شك ليس في تحسين دخلنا فحسب، بل في رفع مستوى التنمية البشرية لدينا وخصوصا إذا اعتمدنا في مشروعاتنا على الأيدي البحرينية المنتجة والتي تتمثل جلها في أولئك الشباب الذين تزخر بهم البلاد والذين هم على وشك هدر طاقاتهم في أمور تعود عليهم وعلينا بالضرر والخراب كونهم يفتقدون إلى المكان الصحيح الذي ينفثون فيه إبداعاتهم... كما لا يفوتنا ما للمنتج الوطني من فائدة تنعكس أولا على صحتنا الآخذة في التدهور بفعل وجبات مستوردة - العالم الله وحده - بما تخبئه لنا حتى في خضراواتها الزاهية؟!
وأخيرا، أين نحنا من المشروعات التي تسهم فعلا في الرقي بنا وبمستوانا المعيشي وفي الوقت نفسه تنفس عن عنا وتخرجنا من أزماتنا؟! إذ لا نجد مقابل كل ازدحام سكاني أو مروري إلا دفن للبحر الذي كدنا ننسى شكله إذ تحول بقدرة قادر إلى أراض شاسعة قيل لنا إنها ستسهم مثلا في حل أزمة السكن أو زيادة الاستثمار... فما وجدنا إلا الأراضي وقد عمرت واكتست ببنايات تتنافس في طولها وعرضها وأخرى حجزت بأسوار ولم تتضح لنا بعد خططها ورؤاها، وما حلت أزمة السكن ولا قضينا على الازدحام المروري ولا حتى تجاوزنا خط الفقر الذي تعيش شريحة كبرى منا تحته أو على أعتابه
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ