العقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال الأميركي في العراق ضد المدن والمحافظات يعتبر مخالفاً للشرائع والأعراف والقوانين الدولية والمواثيق والمعاهدات، فهو يعتبر من المحرمات الدولية وجريمة ضد الإنسانية ومن الأعمال الإرهابية التي تعتمد القتل العشوائي للتخويف وردع الناس عن حقهم المشروع في المقاومة. فمن حق الشعب العراقي المقاومة ومن حق مدنه ومحافظاته رفض الاجتياح والامتناع عن التعامل مع المحتل الأجنبي. وليس من حق الاحتلال ممارسة القتل الجماعي ومعاقبة الناس عشوائياً مهما كانت الذرائع التي تتخذها الحكومة المعينة. فالزرقاوي (إذا وجدت مثل هذه الشخصية الغامضة) ليس حجة للقتل والعقاب الجماعي. كذلك ليس من حق الاحتلال اختراع الذرائع لقتل الناس واجتياج مدنهم وبلداتهم تحت مسميات شتى. فهذه الأعمال الإرهابية التي يمارسها الاحتلال في النجف وكربلاء والفلوجة والرمادي وسامراء والموصل والقائم وغيرها من مدن وبلدات تعتبر في نظر المواثيق والمعاهدات مخالفة للقوانين الدولية وجريمة ضد الإنسانية.
هذا من ناحية المبدأ. والمبدأ أقر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ووقعت عليه الدول في جنيف لمنع القوى الجبارة والمتجبرة من الاقتصاص من الدول الصغيرة والضعيفة والحد من اطماع تلك الدول الكبرى في الاستيلاء على ثروات الشعوب ونهبها.
اما من ناحية التفصيلات فقد جرت مخالفات كثيرة لهذا المبدأ واخترقته الدول الكبرى مراراً في معاركها الخاصة أو حروبها الصغيرة في كوريا ولاوس وفيتنام وإفريقيا وأميركا اللاتينية وكذلك في العالمين العربي والإسلامي.
الدول الكبيرة كانت دائماً هي المبادرة إلى مخالفة القوانين التي اشرفت على وضعها وحولتها بالتضامن والتكافل إلى مواثيق ومعاهدات دولية. فالقوانين أصلاً وضعتها الدول الكبيرة لمنع بعضها بعضاً من ممارسة نفوذها على الدول الصغيرة وللحد من استخدام قوتها ضد الدول الضعيفة.
وقعت دول العالم على تلك المعاهدات والمواثيق حتى لا تنجرف القوى الكبرى وراء اطماعها وطموحاتها وحتى لا تتحول القوة العسكرية إلى سياسة كونية تحسم الخلافات بين الدول ويبدأ الأقوى بالاستيلاء على ثروات الاضعف.
إلى حدما التزمت الدول الكبرى بما اتفقت عليه وكانت تخترق تلك المواثيق والمعاهدات أحياناً حين تقع تجاذبات سياسية بينها كما حصل مراراً في جنوب شرق آسيا وأفغانستان وبعض إفريقيا وأميركا اللاتينية إلا أن هذا الالتزام المبدئي انهار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي. فالانهيار في جانب واحد اتاح للجانب الآخر فرصة تاريخية للعودة إلى فكرة الاستعمار المباشر والاحتلال العسكري والافراط في استخدام القوة لاخضاع واذلال الشعوب وفق تصورات يراها القوي انها صحيحة وعلى الضعيف القبول بها كما هي من دون ممانعة أو مناقشة.
هذا الانهيار العام الذي ظهر بعد الانتهاء من فترة «الحرب الباردة» لا يعطي الحق للدول المنتصرة في تلك الحرب ان تمارس قوتها ضد الدول الأخرى. كذلك لا يبرر الانهيار العام في موازين القوى الدولية التصرفات المشينة والمخالفة للقوانين التي تمارسها الآن الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق أو يمارسها ارييل شارون في فلسطين المحتلة.
العقاب الجماعي ليس سياسة بل هو أسلوب همجي ومتوحش يمارسه الطرف القوي ضد الضعفاء. والعقاب الجماعي ليس مبرراً مهما كانت الذرائع. فالذرائع السياسية لا تعطي شرعية للقتل الجماعي والعشوائي ولا يمكن ان تكون وسيلة لتبرير اجتياح المدن والبلدات والمحافظات واستباحة المدنيين وسحلهم في الشوارع ودك المنازل والمساجد والمستشفيات بالمدفعية والصواريخ وقصف البيوت بالطائرات والمروحيات.
ما حصل ويحصل في فلسطين يشبه كثيراً ما حصل ويحصل في العراق. فهذه الأعمال هي في النهاية مخالفة للقوانين والشرائع والمعاهدات والمواثيق وتعتبر جريمة ضد الإنسانية ومن الأعمال الإرهابية التي تهدف إلى تخويف الناس وردعهم من ممارسة حق المقاومة.
المقاومة في العراق مشروعة مثلها مثل المقاومة في فلسطين. والأعمال المشبوهة التي تقوم بها بعض الجهات المجهولة لا تعطي شرعية للقتل والاجتياح واستباحة الناس في بيوتهم.
العقاب الجماعي مرفوض دولياً كذلك الاحتلال الأميركي للعراق فهو أصلاً يخالف كل المواثيق والمعاهدات. والاحتلال الذي قام على فرضية خاطئة (أسلحة الدمار الشامل) تعتبر كل أعماله وأفعاله خاطئة مهما تذرع بالأسباب. وحين يكون أصل المبدأ غير صحيح فمن البديهي أن تكون النتائج كلها خاطئة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ