ينقل عن أحد المفكرين قوله: «إن الغاية من المناقشة ينبغي ألا تكون النصر بل التحسين»... وعلى أساس ذلك نود ان نطور حواراتنا الوطنية سواءً كانت في الصحافة أو في البرلمان أو في المواقع الإلكترونية أو في المجالس أو في أي مكان آخر. لا يوجد أحد منا معصوم، فالحديث ينطلق في بعض الأحيان ولربما يخطئ شخص أو جهة في حق أخرى، والأمور قد تتطور باتجاهات غير متوقعة أساساً وكل ذلك يعتمد على طريقة التعامل مع الأمور وعلى اعتماد حسن النية أو سوء النية.
الحوار يحتاج إلى أسلوبه المتحضر إذا كان الهدف هو إنتاج أو الوصول إلى غاية تفيد المجتمع. ومجتمعنا البحريني يتناول بالحوار ما يتعلق بشأنه وشئون من هم على صلة به. وهذا ليس كثيراً على البحرين لأنها مترابطة ثقافياً ووجدانياً وعملياً مع محيطها الأوسع.
ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً سنجد انه ومن ضمن التأثيرات الكبرى على ما حدث في خمسينات القرن الماضي ثورة الضباط الأحرار في مصر، بحيث تداخلت حوادث مصر (خارج البحرين) مع حوادث انتفاضة الهيئة (داخل البحرين).
الحال تكرر كثيراً، إذ يجد البحرينيون أنفسهم ملزمين بالوقوف إلى جانب المحيطين بهم بحكم إيمانهم بعدالة قضاياهم. فموضوع احتلال فلسطين وحق الشعب الفلسطيني عامل توحيدي بين الجميع. بل ان العام 2002 شهد تحركاً جماهيرياً نظمته الجمعيات الأهلية وحشدت من أجل مناصرة فلسطين كل طاقاتها (وسقط على إثر ذلك محمد جمعة مضرجاً بدمه). وكان آنذاك الجميع يتنافس من أجل الخير... من أجل ان يقدموا أكثر إلى الشعب الفلسطيني بعد استشهاد محمد الدرة. وهذه المنافسة الشريفة مستمرة وهي محمودة، وما حدث أخيراً من تأبين للزعيم الراحل ياسر عرفات والاحتفاء بيوم القدس العالمي شاهدان آخران على ذلك.
الوضع العراقي لا يختلف كثيراً عن الوضع الفلسطيني، فجميع الهيئات السياسية تحركت لنصرة الشعب العراقي في محنته قبل الغزو الأميركي وبعد الاحتلال الأميركي. وهذه الهيئات أيضاً أدانت المجازر بحق الشعب العراقي سواء كانت في الفلوجة أو في غيرها.
غير أن الملاحظة الحرجة تبقى في تداخل الحدث الداخلي مع الخارجي ما قد يعكس الأمر أو يقلبه رأساً على عقب... فبدلاً من مناصرتنا لإخواننا الفلسطينيين والعراقيين نشعر أحياناً اننا نحتاج إلى مناصرتهم لنا. فعلى رغم أن أفق البحرينيين واسع بسبب قوة إيمانهم بمبادئهم، فإن حجم البلد يفرض نفسه. فما يتحمله بلد كبير قد لا يتحمله بلد صغير الحجم مثل بلدنا، ولذلك نحتاج إلى موازنة الأمور لكي لا يطغى جانب على جانب.
البعض كان يطرح أن البحرين من الممكن ان تكون نموذجاً حسناً للآخرين لكي يعتدُّوا به، وهؤلاء محقون في وجهة نظرهم. ولكن وحتى نخرج بنموذج أفضل فاننا أيضاً بحاجة إلى التسامح بين بعضنا بعضاً بقدر ما نحن بحاجة إلى تنوع آرائنا.
والتسامح يتطلب ان نحسن الظن ببعضنا بعضاً وان نغض الطرف عن تفاصيل صغيرة ليست لها أهمية عندما نقارنها بما نصبو إليه. ان هدفي وهدف من يعمل معي هو رفع شأن البحرين ودعم مبدأ مناصرة بعضنا الآخر من أجل الخير... حتى لو اختلفت وجهات نظرنا وأملي من الآخرين ان يعتمدوا حسن النية في التعامل.
ان اعتماد شيء آخر غير حسن النية في التعامل مع مجريات الأمور يؤدي إلى أن يتحول التنوع في الرأي إلى ما هو مذموم من الخلاف الذي لا يعطي نتيجة لأي مجتمع يبحث عن تحسين أوضاعه. أن غايتنا، كانت وستبقى ان نتناقش ونتحاور من أجل التحسين وتقارب وجهات النظر... فرأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب... لكن نياتنا تبقى صافية من أجل الوطن
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ