العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ

هكذا يولد الإنسان من جديد...

«إنما هو عيدٌ لمن قبل الله صيامه»

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

شقشق الصداح يا أماه في الصبح الجديد

وعمود الفجر مبلوجاً غدا يتلو النشيد

ومحيّا الشمس دفءٌ سافرٌ في كل بيد

أترى هذا بيانٌ أن هذا اليوم عيد؟

كتبنا بالأمس عن ملامح العيد وعلامات البهجة والسرور التي ترتسم على الوجوه مع كل إطلالة عيد جديد، ولكن لا ننسَ أن للعيد معنى آخر يتجلى في أبهى صور الفرحة والسعادة، فالعيد - كما يراه أحد العلماء - مناسبة للفرح الذي «يتخفف فيه الإنسان من آلامه وأحزانه ليعطي لنفسه إجازة من بعض الألم، من بعض الحزن.

ولأن الحياة (كما يقول) بكل حوادثها وتحدياتها وتطوراتها تخترق أمن الإنسان تارة، وصحته أخرى وأوضاعه الاقتصادية ثالثة. وبذلك فإنه لن يعيش الفرح الكبير».

«كيوم ولدته أمه!»

ألم نسمع الكثير من الروايات التي تنص على أن المرء إذا فعل أمراً عبادياً معيّناً وأتقن أداءه بإخلاص فإنه يخرج «كيوم ولدته أمه»؟ تارة يحجّ قاصداً بيت الله مخلصاً في نواياه ويؤدي مناسكه على أكمل وجه فيخرج من الحج كيوم ولدته أمه، وتارة أخرى يُحسن استغلال شهر الصوم بالتوبة والاستغفار فيكسب عطف الله ويخرج من شهر رمضان كيوم ولدته أمه، أي أن الله يهب له عمراً جديداً خالياً سجّله من كل السيئات كالطفل الذي جاء للتو إلى الحياة صحيفته بيضاء ناصعة. وأي امرء حينها لا يشعر بالفرح؟

إذاً... الفرح الحقيقي هو الفرح بفضل الله ورحمته. وكلما أحسنت عملاً في شهر الرحمة كلما ازدادت قيمة السعادة عندك، لأن ذلك يعني أن الله (عز وجل) شملك بعنايته وأحبك ورضيك في رحابه ضيفاً. أمّا أنك تقضي الشهر بالسهو والصدود عن الله (عز وجل) والغفلة عن مجالس الذكر والإنابة إلى «مجالس البطالين» ثم تأتي لتفرح مع الفرحين، فذلك ليس فرحاً حقيقياً. وتؤكد هذا المعنى الآية الكريمة: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» (يونس: 58).

الفرح الخاطئ...

ما دمنا نعيش أيام العيد، أيام البهجة والفرح، تستوقفنا أنماط عدة للفرح منها فرح محمود ومنها فرح مذموم. ولو استنطقنا القرآن الكريم في هذه المضامين، فسنجده يتحدث في آيات كثيرة عن أنواع مختلفة للفرح. فهناك الفرح ببلاء ومآسي الآخرين «وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها» (آل عمران: 120)، وهناك الفرح الذي يشغل الناس عن مسئولياتهم في الحياة وينسيهم الآخرة والموت «حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة» (الأنعام: 44). ونمط آخر هو الفرح بغير الحق، كأن يفرح الإنسان بأمور الباطل من مظاهر اللهو والفساد «ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق» (غافر: 75)... وهكذا، فالقرآن مليء بأمثلة كثيرة تؤطّر حال الفرح.

هذه بعض الوقفات التي من خلالها نتعرف على أبعاد العيد وممارساته، وبالتالي يمكننا أن نجعل كل يوم نعيشه في حياتنا يوم عيد، لأن أمير المؤمنين (ع) يقول: «وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو يوم عيد» (نهج البلاغة ص415). كما يختصر (ع) فرح العيد في هذا الاتجاه بقوله: «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه».

ها نحن مرة أخرى نعود ويعود علينا العيد بإطلالته البهية. وعسى أن نكون أدركنا وفعّلنا مضامين الفرح الكبير من خلال ممارساتنا. وكلما كان الهدف الأسمى هو رضا الباري (جل وعلا) كلما اكتملت الفرحة...

فليتك تحلو والحياة مريرة

وليتك ترضى والأنام غضابُ

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ

وبيني وبين العالمين خرابُ

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً