العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ

«الشبح الغاضب» أول الغيث في ولاية بوش الثانية

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

عملية «الشبح الغاضب» الجارية الآن، لاجتياح الفلوجة تأتي في هذا التوقيت لتبدو بمثابة عنوان لولاية بوش الثانية وكأن الإدارة المجدّد لها تعمدت تأخير هجومها هذا إلى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات، كي يؤشر إلى الوجهة التي تزمع اعتمادها في تعاملها مع البؤر الساخنة أو المرشحة للتسخين، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص. وهي بذلك رسالة تفيد بأن واشنطن عازمة في هذا العهد على استخدام العصا - من دون جزرة - في المنطقة في كل مرة أو قضية لا يستجاب فيها إلى مشيئتها. فهي باتت طليقة وأمامها أربع سنوات متحررة فيها من قيود التجديد لمرة ثالثة، لأن الدستور الأميركي لا يسمح بها. كما أنها - أي الإدارة - أفصحت خلال الحملة الانتخابية وغداة الفوز بالرئاسة أنها متمسكة بخطها وسياستها الخارجية وتحديداً في الشرق الأوسط. آخر المؤكدين على هذا التوجه كان الوزير كولن باول، في حديث صحافي له. فهي ترى أنها نالت تفويضاً بلا شروط من الشعب الأميركي، عكسه التفوق الوازن الذي حققه الرئيس بوش في الانتخابات الأخيرة. والاعتقاد الراجح لدى المراقبين وخبراء السياسة الخارجية في واشنطن، أن الإدارة على رغم التشكيلات والتبديلات المتوقع أن تشهدها تركيبتها، ليست في وارد إدخال تعديلات ملحوظة ناهيك بالجذرية، على مقارباتها وقناعاتها التي تحكم سياساتها وتوجهاتها ليس فقط بالنسبة إلى منطقتنا بل أيضاً إزاء الساحة الدولية عموماً، وعلى رأسها الأمم المتحدة. فالإدارة تزمع التعاون مع المجتمع الدولي، يقول جون هولزمن من مؤسسة «هيربتاج فاوندايشن» للدراسات والأبحاث في واشنطن، لكن في إطار ما تراه هي مناسباً. أي ما يصبّ في خدمة مواقفها. معظم الدوائر والأوساط المحافظة مثل هذه المؤسسة في العاصمة الأميركية تتحدث باللغة نفسها. وكذلك فريق كبير من المحللين غير المحسوبين على خندق الإدارة. وحتى المحايدون منهم متحفظون حذرون - مثل فيليب غوردن من مؤسسة بروكنغز للابحاث في واشنطن وزميله مارتن انديك - يرسمون علامات استفهام بشأن لغة التفاؤل التي يتحدث بها البعض والتي تقول إن إدارة بوش قد تعود إلى رشدها في ولايتها الثانية لتدخل تعديلات جوهرية في سياستها الخارجية. وتنهض هذه القراءة على أساس تعليل مفاده أن الإدارة جرّبت «مذهب الاستباقية» وسياسة التفرّد ودفعت الثمن، وبالتالي فإنها قد تعيد النظر في حساباتها وطروحاتها، لتحقق إنجازات ترتبط باسمها ولاسيما أن بعض رموز المتشددين في طريقهم إلى مغادرة الإدارة، مثل وزير العدل اشكروفت ووزير الدفاع رامسفيلد الذي لن يبقى في منصبة طويلاً بحسب معظم التوقعات في واشنطن - سنتين على الأكثر -.

إلا أن مثل هذه القراءة تقترب من التمني ولا تستقيم مع معطيات الواقع السياسي الراهن. فالسياسة الخارجية «محكومة بأن تبقى، كما كانت، تحت سيطرة نائب الرئيس تشيني»، كما يقول باتريك كرونن من «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» في واشنطن وخصوصاً أن المرشحين لمنصب وزير الخارجية والمتداولة أسماؤهم - السناتور السابق والسفير الأميركي الراهن في الأمم المتحدة جون دانفورث ومستشارة الرئيس كوندوليزا رايس، ونائب وزير الدفاع بول وولفوفيز ووزير التجارة والصديق المقرب إلى الرئيس دونالد آفنز - ينتمون إلى السرب ذاته الذي يشارك نائب الرئيس قناعاته أو يتأثر بها وفي أحسن الحالات لا يقوى على الخروج من تحت عباءة تشيني على الأقل، كان كولن باول يبدي اعتراضاته ولو في حدود ومن دون تصعيد أو تهديد بالاستقالة لكن في الولاية الثانية ليس من المتوقع أن تكون هناك في الإدارة أصوات غير متناغمة تماماً مع خط الإدارة التي لا تنوي التزحزح عنه، دولياً وشرق أوسطياً فهي - كما يحذر أحد المراقبين - إذا كانت في ولايتها الأولى قد مارست الانفلات من غير ضوابط - على رغم أن شرعية الرئيس بوش كانت يومذاك موضع شكوك في ضوء ما انتهت إليه انتخابات العام 2000 - فإنها في ولايتها الثانية لابد أن تواصل انفلاتها وبحرية أكثر، لأنها تستقوي بشرعية لا غبار عليها، لأنها تنهض على غالبية وازنة حظي بها الرئيس في الانتخابات، وعلى أكثرية حاسمة حققها حزبه الجمهوري في مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ). والأهم من ذلك كله أن الرئيس يستند إلى مناخ عام يسود الساحة الأميركية، اعطاه ويعطيه صلاحيات تقترب من الشيك على بياض، لمواصلة سياساته التي تتلطّى تحت لافتة «محاربة الإرهاب». فتحت هذه اللافتة كسب التجديد لرئاسته. ولم يقو خصمه كيري على رغم كل الظروف والمعطيات الملائمة، على وقف أو منع هذا التجديد. كيري تفوق على جميع المستويات: جمع تبرعات مالية قياسية تجاوزت ما جمعه الجمهوريون، وهذا نادر، كسب جولات المناظرات الثلاث، ارتفعت نسبة الإقبال على الاقتراع من حوالي الخمسين في المئة إلى الستين، والتي من المفترض أن تكون لصالح خصم الرئيس. ثم كانت هناك فضائح أسلحة الدمار في العراق وكذبة العلاقة بين النظام العراقي و«القاعدة»، إضافة إلى فضائح «أبوغريب» واكتشاف فقدان اطنان من المتفجرات في العراق، وأخيراً طلع زعيم القاعدة ليذكر الأميركيين بأنه مازال طليقاً وفعّالاً. كل ذلك لم يشفع لخصم الرئيس. صحيح أن كيري ارتكب أخطاء في حملته التي عانت الكثير من القصور والشطط، لكن ذلك لم يكن له الدور الحاسم في الهزيمة. ربما كان الأمر يتطلب وجود مرشح ديمقراطي من طراز النجم السياسي كالرئيس كيندي ليقوى على الفوز ضد بوش. ليس لأن هذا الأخير كان يتمتع برصيد وبمقبولية لا تقهران، لكن لأن الأجواء الأميركية المشحونة بتأثير 11 سبتمبر/ أيلول، ما كانت تسمح باستبداله، فقط لأنه اعتمد حرب المطاردة ونقلها إلى الخارج إذ بقيت أميركا طيلة 3 سنوات بعيدة عن أية عمليات إرهابية. وهذا بحد ذاته كان بالنسبة إلى الأميركيين مطلباً أولياً وحافزاً لا مزاحم له، لانتخاب بوش، بصرف النظر عن المخاطر والكلف والتبعات التي ترتبت على حروبه وغزواته في الخارج، التي حصل منها كما التي قد يحصل لاحقاً. وفي هذا السياق تأتي معركة الفلوجة كأول الغيث لولاية بوش الثانية، أو بالأحرى صورة مصغرة عن نمط التعامل مع الغير الذي يرفض الوقوف بالصف خلف واشنطن، التي تزعم الصوابية وتعطي لنفسها الحق في التصرف على أساس أنها تملك الموقف الحق، المبني على إلهام ربّاني خصّه الله تعالى بها. ومثل هذا الزعم حذر السيناتور والمترشح الرئاسي السابق، غاري هارث، من مخاطره أنه يهدد الديمقراطية القائمة على فصل السلطات، كما أنه ينطوي على «خبث»، فضلاً عن كون مثل هذه «الصليبية أمر يخيف ليس المسلمين فقط، بل الكثير من الأميركيين»

العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً