بدأت الولايات المتحدة - بدعم من بريطانيا - بالتراجع عن وعودها للفلسطينيين بإقامة دولة «قابلة للحياة». فالرئيس جورج بوش وعد بقيام تلك «الدولة» بعد الانتهاء من ولايته الثانية. وهذا يعني بلغة السياسة الأميركية أن الدولة لن تقوم في العام 2009، وذلك لسبب بسيط وهو أن الرئيس الجديد سيتنصل من وعود بوش ويرى أنها غير ملزمة للإدارة الجديدة.
دولة للفلسطينيين كانت من أساسها مناورة سياسية أطلقها الحزب الجمهوري في انتخابات العام 2000 للالتفاف على مشروع التسوية الذي كاد أن يتوصل إليه الرئيس السابق بيل كلينتون. ونجحت المناورة في الالتفاف على مشروع الحزب الديمقراطي وتطويقه سياسياً بالادعاء أن «عائلة بوش» عربية الهوى وتطمح إلى اعطاء الفلسطينيين أكثر من كلينتون. وحين انتخب بوش الابن سحب وعده أو أجله قليلاً بذريعة أن الاولويات الأميركية اختلفت بعد ضربات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فالأولويات لم تعد لمفاوضات السلام، بل للحرب على الإرهاب. وقامت واشنطن بربط القضية الفلسطينية عشوائياً بالقضية الأفغانية، ثم ربطت تنظيم «القاعدة» بالتنظيمات الفلسطينية واعتبرت كفاح الفلسطينيين من أجل إقامة دولتهم من الأعمال الإرهابية، واعطت أرييل شارون الضوء الأخضر للاستمرار في مشروعه القاضي بتقويض «اتفاق أوسلو» وإعادة احتلال الضفة الغربية وإقامة جدار الفصل العنصري في أراضي السلطة الفلسطينية ومحاصرة رئيسها في رام الله بذريعة أنه يؤيد الإرهاب ويشكل عقبة أمام السلام ويعطل تنفيذ «خريطة الطريق» ويمنع قيام الدولة!
الآن رحل ياسر عرفات بعد حصار في مقره دام أكثر من ثلاث سنوات، واستمرت خدعة بوش في كسب الوقت من خلال توزيع الوعود وتأجيلها ثم تجديد الوعود وإعادة تأجيلها... وصولاً إلى القول بأن الدولة ستقوم بعد أربع سنوات أي بعد انتهاء ولايته الثانية. وهذا يعني أن الوعد لن يرى النور لأن الرئيس المقبل غير مضطر للالتزام بكلام هو أقرب إلى المناورة السياسية.
الآن وبعد أن نال بوش ما ناله من دعم مالي وتأييد عربي رسمي وجددت ولايته، كشف عن مناورته مؤكداً التزامه بوعده شرط أن ينفذ بعد خروجه من البيت الأبيض. وهذه الكلام يعني سياسياً أن الخدعة انطلت وبات بإمكانه استكمال ما بدأه في ولايته السابقة من حروب دائمة ضد العرب والمسلمين.
الدولة الفلسطينية لن تقوم كما قال بوش من الآن وحتى العام 2009. والسؤال ماذا سيفعل بوش من الآن وحتى العام 2009؟ رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير أوضح ما فات بوش قوله في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقد في البيت الأبيض. بلير جدد التزامه السياسي بمشروع بوش مؤكداً دعمه له إيديولوجياً أيضاً. وأوضح للمرة الأولى أن التحالف الانغلو - أميركي ليس لقاء مصالح ومجرد تعاون مؤقت فرضته الظروف بل ينبع من قناعة جديدة ترسخت في الخارجية البريطانية بعد هجمات 11 سبتمبر. والقناعات الجديدة تقوم على مبدأ التدخل في شئون الدول وتحديداً دول «الشرق الأوسط»، وكشف أن السلام سيشهد تطورات مهمة في الشهور المقبلة وذلك بذريعة تعزيز الديمقراطية في المنطقة! كيف تكون الدولة الفلسطينية مؤجلة بينما السلام سيتقدم في المنطقة خلال الشهور المقبلة، وكيف سيتم التعامل مع هذا التناقض؟
بلير وبوش لا يعتبران الأمر يعاني من تناقضات. فالسلام برأيهما يعني القضاء على بؤر المقاومة عن طريق تقويض المدن وسحل الناس في الشوارع كما يفعل شارون في فلسطين، وكما تفعل قوات الاحتلال في الفلوجة والرمادي والموصل. فالسلام برأيهما يأتي عن طريق تقويض مدن العراق وفلسطين. وبعد التقويض الشامل والعقاب الجماعي تأتي برأيهما الديمقراطية للعراق والدولة إلى فلسطين! وهذه المهمة برأيهما تحتاج إلى أربع سنوات من الحروب والقتل العشوائي في العراق وجواره وفلسطين وجوارها. فالدولة مؤجلة أربع سنوات في فلسطين والقوات الأميركية باقية في العراق ثلاث سنوات كحد أدنى كما ذكرت الأنباء... وبالتالي فإن المشروع التقويضي هو الحل الوحيد المعطى للمنطقة، كما يفهم من كلام بوش - بلير.
من يقرأ جيداً تصريحات بوش وبلير في المؤتمر الصحافي الثنــائي في البيت الأبيض يدرك بسهولة ماذا ينتظر المنطقة والشعب الفلســطيني من سياسات تدميرية... وليس بالضرورة أن تنتهي إلى النتيجة التي يتوقعــها بوش وبلير. فإذا فشلت المهمــة ســترمى الكــرة في ملعــب الرئيس المقبل في واشنــطن. والرئيــس المقبل يستطيع الالتزام أو رفض وعد بوش بدولة في فلسطين وديمقراطية في العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ